إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لا تتوقف عن التجدد السينما التجريبية ''مغامرة إبداعية'' .. تأليف : دومينيك نوغيز

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لا تتوقف عن التجدد السينما التجريبية ''مغامرة إبداعية'' .. تأليف : دومينيك نوغيز

    كادر: السينما التجريبية ''مغامرة إبداعية'' لا تتوقف عن التجدد



    تأليف : دومينيك نوغيز
    ترجمة : صلاح سرميني

    في دراستنا التحليليّة هذه، سوف تتّضح صعوبة تصنيف "السينما" التي نرغب الاحتفاء بها اليوم، وفي الحقيقة، فإنّ هذه "السينما" ليست بحاجةٍ لأيّ تصنيف، إذّ هي "السينما" نفسها، بامتلاكها لكلّ ما هو حيٌّ وجوهريٌّ في فنّ الصوت والصور المتحركة، والمُفترض أنه بدءاً منها، يجب أن تتموقع الأفلام الأخرى وتُصنّف، كما الحال عندما نفترض مقارنةً ما، بين الروايات السطحيّة المقروءة في المحطات والقطارات لملء الفراغ وقتل الوقت، مع أشعار "رامبو" الخالدة، أو الرسومات المُفتقدة لأيّ قيمةٍ فنيّةٍ - تلك التي يرسمها الناسخون المنتشرون في الشوارع المكتظّة بالسيّاح - مع روائع "سيزان"، أو أيضاً، مابين الأغاني الخفيفة، وقدسيّة موسيقى "باخ".
    وعلى الرغم من ذلك، نُطلق أحياناً على "السينما التجريبيّة" ـ موضوعنا ـ أسماء مثل "سينما ـ فن" أو "سينما الفن"، والتي شاعت في العشرينيّات، وأيضاً "سينما صافية/خالصة"، "سينما كاملة/تامّة"، "سينما مُطلقة"، "سينما ذاتيّة/جوهريّة/أساسيّة/أصيلة" ... حيث نستدلُّ من خلال هذه التسميّات على رغبةٍ واحدةٍ بالاقتراب من جوهر هذه "السينما" وقوامها.


    في حين، نُطلق على أعمال "هانز ريشتر"، أو "جيرمين دولاك" بـ "سينما تجريديّة"، أو "إيقاعيّة"، وذلك للإشارة - بشكلٍ خاصٍّ - إلى الأفلام "اللاشكليّة".
    وفي أوروبا وأمريكا، تحدّث النقاد والسينمائيّون - بشكلٍ منتظمٍ تقريباً - عن "فيلمٍ ـ قصيدة"، "شعرالسينما"، وذلك ما وجدناه في أعمال "كوكتو" - على سبيل المثال – أو عن "سينما الشعر"، كما الحال في أعمال "بازولينيّ".
    في الأربعينيّات، بدأ الحديث في الولايات المتحدّة عن "سينما شخصيّة"، "فرديّة" أو "خاصّة"، عن "أفلام الحجرة"، بالاستناد إلى "موسيقى الحجرة"، ومن ثمّ عن "سينما/رجل"، أو "رجل/سينما".
    بينما تسميّاتٍ مثل : "جديدة"، "شابّة"، "مُستقلّة"، والتي نُسبت إلى بعض الأعمال السينمائيّة المُتميّزة، عرفت هنا أو هناك، نجاحاتٍ عنيدة، على الرغم من إلصاق تهمة الغموض عليها.
    وحوالي عام 1961، وبتحريضٍ من "دوشّا، ستان فان ديربيك، وجوناس ميكاس"، (أو الثلاثة معاً، بالإضافة لآخرين) تألّقت علامة "الأندرغراوند" بعض السنوات، قبل أن تستحوّذ عليها الصحافة السطحيّة وتُشوّهها، وقد عرفت هذه "السينما الموازيّة"، "الهامشيّة"، "السريّة" إزدهاراً ساحقاً لأفلامٍ شخصيةٍ "غير هوليوديّة"، "غير تجاريّة"، مُشوّشة سياسيّا,ً ومُجدّدة شكليّاً، وسنواتٍ فيما بعد، يُصنفها "ب. آدامز سيتني" بـ "سينما تنبؤيّة".
    وقد تحدّث "غريغوري ماركوبولوس" من جهته عن "فيلمٍ إبداعيّ" أو "الفيلم كفيلم"، والذي يُقرّبنا من "السينما الصافيّة".
    وحوالي عام 1968، شاع في أوروبا استخدام تسمياتٍ مثل "سينما أخرى"، أو "سينما مختلفة".
    ومن ثم بدأت تختفي بالتدريج المفاهيم السياسيّة لهذه التصنيفات، حيث تُشير "سينما سياسيّة" أو "نضاليّة" بطريقةٍ أكثر صرامةً إلى سينما "خارج النظام"، والأفلام المُستهدفة بهذه التسميّات هي "أفلام نضاليّة" تحديداً.
    ومنذ العشرينيّات وحتى يومنا هذا، شاع استخدام تسميتين فقط، أكثر من أيّ تسمياتٍ أخرى:
    "سينما أو فيلم" طليعيّة/ي، و"سينما أو فيلم" تجريبيّة/ي، وعلى أيّ حالٍ، تُعتبر تسميّة "طليعيّة" ملائمة، ولكنها لا تعني أشياء كثيرة، وهي بالأحرى لا تُشير أبداً إلى شروط الإنتاج والتوزيع، إحدى المعايير الهامّة والضروريّة للسينما التي تهمّنا.
    ومنذ "بودلير"، لم يعدّ لمنهج هذه "الاستعارة العسكريّة" أيّ قيمةٍ تُذكر، بينما لا تتخلص "تجريبيّة" من بعض تفسيراتٍ لا تتوافق وما عنيناه في بداية هذه الدراسة، عندما ذكرنا بأنّ هذه "السينما" ـ أيّ التجريبيّة ـ تُصنّف ما لا حاجة به.
    كما يُزعج هذا التصنيف عدداً كبيراً من المبدعين، لاقترابه بمفاهيم مغلوطة، والشكّ بأنهم يُنجزون أعمالاً غير مُكتملة تتضمن مفهوماً "تدريبيّاً".
    وتفترض "طليعيّة" وفقاً للمفهوم السطحيّ الذي تمنحه، نموذجاً "مُتفرّداً"، وسينما "مُتقنة" إلى حدٍ بعيد.
    وإذّ لا بدّ من منح تسميةٍ ما، تصنيف "سينمانا" هذه - وإنّ كنّا لا نرغب في اختيار أيّ تسميةٍ أو تصنيف - نجد بأنّ "تجريبيّة" هي الأقلّ سوءاً من كلّ تلك التصنيفات الغير مرغوب فيها، الأكثر ثراءً في تاريخها، معاييرها، ومفاهيمها، والأكثر ملائمةً وتعبيراً.
    ولكننا في نفس الوقت، وإنّ قبلنا بهذا التصنيف، فهذا لا يمنعنا أيضاً من الاحتفاظ بالكلمة واستبعادها في آنٍ واحد، وذلك بأن نكتبها ونشطب فوق حروفها السبعة "ت، ج، ر، ي، ب، يّ، ة"، على طريقة العزيز "دريدا"، ليبقى لنا أخيراً "سينما"، اسماً، تصنيفاً، عشقاً واحداً.

    السينما الشيطانيّة الملعونة

    ولفهم طبيعة "سينمانا" هذه، يجب عدم إغفال المعنى اللغويّ الإشتقاقيّ لكلمة "تجريبيّ- Expériment”، التي قُررت للمرة الأولى عام 1503، والمُقتفاة من الأصل اللاتينيّ “Experimentalis”، والتي تقترب من الفرنسيّة القديمة “Esperiment”، أو “Experiment” ، والمتحدّرة من الأصل اللاتينيّ “Experimentum”، ويمكن ترجمتها بـ “محاولة” أو “تجربة” ـ من فعل “Experiri” يُجرّب أو يُحاول ـ وعلى الفور، فإنّ “تجريبيّ” تشير إلى مشروع بحثٍ (ربما يكون شيطانيّاً، حيث يشير فعل “يُجرّب” إلى السحر والشعوّذة ...).
    وهذا يعني، بأنّ “الساحر المتدرّب” ليس بعيداً عن هذه التسميّة، ولا السينما “الشيطانيّة/ الملعونة”، وربما إنطلاقاً من هذا التقارب، نعزو ذلك الإفتتان الذي يُصيب ويشدّ المتفرجين عندما يشاهدون أفلاماً تجريبيّة (نأمل لهم ذلك على الأقلّ).
    سنوات فيما بعد، وبالتحديد عام 1865، يقدّم العالم “كلود برنار” كتابه “مقدّمة في دراسة الطب التجريبيّ”، والذي يُساهم بدوره في تحريك هذه “الكلمة” وتنشيطها في خدمة معنىً يبتعد ظاهريّاً عن “علم الجمال” بشكلٍ عام، و”السينما” تحديداً.
    وقبل عامين من ذلك التاريخ، دوَّن الفيلسوف الوضعيّ “ليتريه” بدوره، هذا المعنى في قاموسه عن اللغة الفرنسية، حين ُحدّد بأنّ “تجريبيّ: ما يستند على التجربة”.
    بينما أكدّت القواميس اللاحقة الهالة الإيجابيّة لهذا المصطلح، حيث “تجريبيّ: ما يستند على ملاحظة الوقائع”، على حدّ ما ذكره “هاتزفيلد، دارمستر، وتوماس” حوالي عام 1890، و”تجريبيّ: ما يعتمد على التجربة العلمية” وفق “روبير” و”لاروس” اليوم.
    والإشكاليّة التي تواجهنا هنا: كيف يمكن الهروب من هذا المعنى المنهجيّ “العلميّ” إلى معناه “الجماليّ” الذي يشغلنا؟
    وبتعبيرٍ آخر، كيف نترك لـ “كلود برنار” أرانبه، ونهتم بأفلام “ريشتر” أو “لابوجاد”؟.
    أولاً، عند “كلود برنار” نفسه، تأخذ - أحياناً - كلمة “تجربة” معنىً يقترب من “النشاط الفني”، إذّ يمكن أن تمتلك متلمساً طارئاً، فالتجربة من أجل الكشف، أو تلك المُعتمدة على الملاحظة والاختيار، والتي تقترب - ربما - من نشاطات مشعوّذ، وتعتمد على تدّخل الصدفة المتعلقة بظاهرةٍ ما، والتعمّد بكشف وقائع لا نمتلك عنها أيّ فكرةٍ في البداية.
    ونفترض - مثلاً - بأنّ شخصاً ما يريد أن يعزف على “الكلارينيت” للنباتات، وذلك لمشاهدة ومعرفة تأثّرها وإستجاباتها لموسيقى كهذه، ويمتزج النشاط “التجريبيّ” في هذا السياق بـ “الجرأة والعمّى”.
    هذه الطريقة المغامرة بالتوجّه نحو “العمّى” و”الإبداع” بآنٍ واحد، وبدون إجراء ذلك عن عمدٍّ، هي الخطوة التي بدأت منها بعض الأعمال الأكثر أهميةً في تاريخ السينما.
    قال “ويلز” يوماً عن “المواطن كين”: “لم أباشر عمداً لأكتشف أيّ شيءٍ، لقد قلت لنفسي فقط، لِمَ لا؟ يمكن أن يكون الجهل ُمنقذاً كبيراً، وهذا ما قدمته للمواطن كين، الجهل ...”
    ويعود ـ كما أعتقد ـ إرتباط كلمة “تجريبيّ” بالمعنى “الجماليّ”، بدون أن يكون بالضرورة لاإراديّاً أو مسودّة، إلى “إميل زولا”، إذّ هو الذي جمع في عام 1880 مجموعة نصوصٍ تنظيريّة عن رواية “المستقبل”، حيث يُطبّق منهج وجوهر ما قصده “كلود برنار”، ليس فقط فيما يتعلق بالظواهر “الطبيعيّة”، ولكن “الفنيّة” أيضاً.
    ففي “الرواية التجريبيّة” - الرواية الشابّة، الأكثر حداثةً من “الطبّ التجريبيّ”، الذي يُعتبر بدوره حديث العهد أيضاً - فقد تعدّى الروائيّ الصدّارة البيضاء للجرّاح أو البيولوجيّ، لكي يلتحق بتواضعٍ بالمختبرات، وذلك بغرض تجميع وحثّ القرّاء على المشاركة في معركةٍ أدبيةٍ حاميّة.
    خمسون سنة فيما بعد، وبالتحديد عام 1929، ومن خلال النصوص التنظيريّة لـ “دزيغا فيرتوف”، الذي يُحدّد في سياق أحدها، بأنّ منهج “السينما ـ عين”، يتعلّق بالدراسة العلميّة ـ التجريبيّة للعالَم المرئيّ.
    وفي نهاية المطاف، وبالاستفادة من إشارتنا إلى "الرواية الطبيعيّة" الشابّة، فإنّ كلمة "تجريبيّ" تصبح - بشكلٍ دائمٍ - المرادف لـما هو "جديدٌ وطليعيّ".
يعمل...
X