إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فلسفات الفلاسفة أي تاريخ الفلسفة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فلسفات الفلاسفة أي تاريخ الفلسفة

    محطات في تطور الفلسفة
    بالمحور الثاني

    ألأشكال المحوري : هل تعد الفلسفة اليونانية هي الشكل الواحد الأوحد الذي عرفه تاريخ الفكر الفلسفي الإنساني، أم هناك أشكال فلسفية أخرى؟ أليس للحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة انتاجات فلسفية مثلت محطات أساسية في تطور الفكر الفلسفي؟
    تقديم : أشرنا في المحور السابق إلى صعوبة تحديد تعريف عام للفلسفة، وذلك لأنه لا وجود لفلسفة واحدة، بل هناك عدة فلسفات متعددة بتعدد فلاسفتها. وهذا يعني أننا لا ندرس الفلسفة كما ندرس أي علم من العلوم، بل إنما ندرس فلسفات الفلاسفة، أي أفكار ونظريات رجال عاشوا عبر التاريخ، بمعنى أننا لا ندرس الفلسفة بل تاريخها.
    والواقع أن الفلسفة، و تاريخ الفلسفة جانبان مرتبطان من الصعب الفصل بينهما، إن دراسة أفكار أي فيلسوف ما، كثيرا ما تضطرنا إلى الرجوع إلى أفكار فلاسفة آخرين سبقوه أو عاصروه، بمعنى أن دراسة الفلسفة لا تعني في الحقيقة أكثر من دراسة تاريخها

    فما هو تاريخ الفلسفة؟ وماهي المحطات الأساسية في تاريخ تطور الفلسفة؟
    ترافق تطور العلوم عند العرب والمسلمين ابتداء من القرن الثاني الهجري مع ظهور اهتمام بالفلسفات الشرقية واليونانية، وللعمل على ترجمتها ما أدى إلى تشكيل حركة فلسفية قادها عدد من المفكرين المسلمين من العرب وغير العرب وأهمهم ابن رشد الذي دافع عن ضرورة دراسة الفلسفة وتعلمها، لان الشرع يدعو إلى التعبير والتأمل في الموجودات لأنها تدل على وجود الصانع، وبما أن الفلسفة ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات للوصول إلى وجود الصانع، فان الفلسفة إذن لا تعارض الدين، بل تدعمه وتؤيده، وهذا هو رد ابن رشد على الغزالي الذي كفر الفلاسفة، ودعا إلى تحريم الفلسفة باعتبارها تخالف الشريعة، وهناك عدة فلاسفة مسلمين من أهمهم : الكندي، الفارابي، ابن سينا ، ابن طفيل، ابن باجة....
    هذا فيما يخص الفلسفة الإسلامية ، أما الفلسفة الغربية ، فقد انقسم تاريخها إلى أربعة مراحل: القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة. وتمتد مرحلة الفلسفة القديمة من القرن السابع عشر.ق.م إلى القرن الخامس الميلادي. وتمتد مرحلة الفلسفة الوسطى من القرن الخامس إلى القرن السابع عشر، أما الفلسفة الحديثة، فتمتد حتى القرن التاسع عشر، أما الفلسفة المعاصرة فتمتد من القرن العشرين إلى العصر الحالي.
    الفلسفة القديمة: كانت في معظمها يونانية، وأعظم الفلاسفة من العهد القديم كانوا ثلاثة من اليونانيين في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث أثرت فلسفتهم في الثقافة الغربية المتأخرة.
    أما فلسفة القرون الوسطى تميزت بالتطور بكيفية جعلتها جزءا من اللاهوت النصراني، وهكذا لم يبق للفلسفة اليونانية والرومانية من آثار سوى ما تركته من أثر على الفكر الديني، وبعد القديس أوغسطين أشهر فلاسفة العصور الوسطى، كما انه في هذا العصر سادت منظومة فكرية تسمى بالمدرسية بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر، والمدرسية تشير إلى منهج فلسفي للاستقصاء، استعمله أساتذة الفلسفة واللاهوت في الجامعات الأولى التي ظهرت في أوربا الغربية، ولقد نشأت هذه المدرسة نتيجة لترجمة أعمال أرسطو إلى اللاتينية التي هي لغة الكنيسة النصرانية في العصر الوسيط، فهذه الأعمال حثت المفكرين آنذاك على التوفيق بين أفكار أرسطو الرئيسية والتوراة والعقيدة النصرانية، إن أشهر المدرسين هو القديس توما الاكويني، حيث اجتمع في فلسفته فكر أرسطو والفكر اللاهوتي حتى أنها أصبحت هي الفلسفة الرسمية الرومانية الكاثوليكية.
    أما الفلسفة الحديثة، فهي نتيجة لحركة ثقافية كبرى تسمى النهضة، أعقبت نهاية العصور الوسطى وشكلت فترة انتقالية بين فلسفة القرون الوسطى، والفلسفة الحديثة. نشأت النهضة في إيطاليا نجمت عن إعادة اكتشاف الثقافة اليونانية والرومانية، وأيضا للتقدم الكبير خاصة في مجال الفلك والفيزياء والرياضيات، وأيضا لظهور النزعة الإنسية التي أعادت الإعتبار إلى الإنسان ومجدته، وبعد فرانسيس بيكون الإنجليزي من أوائل الفلاسفة المؤيدين للمنهج التجريبي العلمي وإلى جانبه رينيه ديكارت الفرنسي مؤسس الفلسفة الحديثة في ق17، خاصة في كتابه الشهير "مقال في المنهج" الذي عرض فيه رؤية جديدة في التفكير نقوم على النقد ومراجعة المعارف المكتسبة، وضرورة تأسيس طريقة جديدة تقوم على قواعد محددة لتوجيه العقل (الشك، تقسيم المشكلة إلى أجزاء، ترتيب الأفكار، مراجعة عامة للنتائج). كما أنه أولى أهمية كبرى للأنا المفكر أي الوعي بالذات، وقد تجلى ذلك في قولته الشهيرة "أنا أفكر ، أنا موجود" وإلى جانب ديكارت هناك فلاسفة آخرين (سبينوزا، لايبنيز، جون لوك،دافيد هيوم، إيمانول كانط، هيجل، ماركس، نيتشه) كل هؤلاء الفلاسفة ساهموا في تطوير الفلسفة الحديثة القائمة على العقلانية والتجريبية والجدلية....


    أما الفلسفة المعاصرة أو فلسفة القرن العشرين، فقد شهدت انتشار خمس حركات رئيسية، اثنان منها: الوجودية والظواهرية كان لهما تأثير كبير في بلدان أوربا الغربية.
    أما الحركات الثلاث الأخرى: (الذرائعية -البرجماتية -المنفعية) والوضعية المنطقية، والبنيوية التفكيكية فقد مارست تأثيرها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
    في منتصف القرن العشرين أصبح تأثير الوجودية ملحوظا، وذلك أن الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ولدت شعورا عاما باليأس والقطيعة من الوضع القائم، هذا الشعور قد أفضى إلى الإعتقاد بأن الناس عليهم أن ينشئوا القيم التي تليق بهم في عالم أصبحت القيم القديمة فيه عديمة الجدوى، كما أن الوجودية تلح على القول : إن الأفراد يجب عليهم أن يحددوا اختياراتهم وبذلك يعبرون عن شخصيتهم المتميزة، لأنه لا توجد أنماط موضوعية تفرض على الفرد فرضا، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أشهر الفلاسفة الوجوديين.
    أما الفلسفة الظاهرية فقد أنشأها الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي تصور أن مهمة الظاهرية وبالتالي مهمة الفلسفة تتمثل في وصف الظاهرة، أي موضوعات التجربة الشعورية، بصفة دقيقة وبكيفية مستقلة عن كل الافتراضات المشتقة من العلم. ويعتقد هوسرل أن هذا العمل من شأنه أن يؤدي إلى إدراك الواقع إدراكا فلسفيا.
    أما الفلسفة النفعية البرجماتية والتي يمثلها الأمريكان وليم جيمس وجون ديوي، فتؤكد أن المعرفة خاضعة للعمل، وذلك أن اشتمال الأفكار على المعاني والحقائق متعلق بمدى ارتباطها بالتطبيق.
    أما الفلسفة الوضعية المنطقية نشأت في ﭬيينا بالنمسا في العشرينات من القرن العشرين فتقول: إن الفلسفة ينبغي أن تحلل منطق لغة العلم، وهي تعتبر العلم المصدر الوحيد للمعرفة وتدعي بأن ما وراء الطبيعة لا فائدة منه، اعتمادا على مبدأ إمكانية التحقق، أي أن القول لا يكون له معنى إلا إذا ثبت بالتجربة الحسية أنه مطابق للحقيقة، ويعد البريطاني ألفرد جون أير من أكبر فلاسفة المذهب الوضعي المنطقي. المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا أي أنها تزول بمجرد تحليل للعبارات التي صيغت
    أما الفلسفة البنيوية التفكيكية فقد حاولت أن توجد الحلول للمشكلات الفلسفية عن طريق تحليل مفردات اللغة ومفاهيمها كما حاولت بعض اتجاهات هذه الفلسفة أن تبرهن على أن بعض المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا بمجرد تحليل العبارات التي صيغت بها.
    ومن أشهر الفلاسفة الذين مارسوا التفكيك والتحليل الفلسفي هناك برتر اندراسل، ولود فيتجنشتاين.
    المحور الثالث والرابع

    منطق الفلسفة والفلسفة والقيم
    غالبا ما توصف الفلسفة بأنها فعل من الوجود والمعرفة موضوع تفكيرها. والسير في طريق الفلسفة يقتضي التساؤل والبحث عن منهج كفيل بتحقيق المعرفة الحقة. فكيف يتم التفكير الفلسفي وماهو منطقه الخاص؟
    بالرغم من اختلاف أشكال التعبير الفلسفي باختلاف الفلاسفة, فإن الفلسفة تبدأ بالاندهاش L’étonnement. والدهشة كما يقول أرسطو هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، وكما يذهب إلى ذلك شوبنهاور فالدهشة من الأمور المتعلقة بالموت والألم والبؤس في الحياة، كانت هي الدافع الأقوى للتفكير الفلسفي والتفسير الميتافيزيقي للعالم. إن الاندهاش من الظواهر التي يعرفها الوجود, خاصة تلك التي لم يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيرا هي التي جعلته يتساءل، أو بقول هيدغر " إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل". لكنه تساءل يحتاج إلى أجوبة أكثر إقناعا خاصة إذا ماسلمنا مع شوبنهاور بأن الدهشة الفلسفية تفترض في الفرد درجة أعلى من التعقل، بحيث ينقلب الاندهاش من الوجود والعالم الذي لاينفك يمثل لغزا للإنسان، في الفلسفة إلى مجموعة من الأسئلة المترابطة في ما بينها.

    وهذا يحيلنا إلى طبيعة السؤال الفلسفي وخصائصه ومميزاته ووظائفه.
    صحيح أن كل الناس يتساءلون، لكن السؤال العادي يفترض إجابة بسيطة ونهائية،لكن التساؤل الفلسفي يتميز بالقصدية والشك القبلي في الجواب, كما يهدف إلى هدم الاعتقاد القبلي في امتلاك الجواب أو المعرفة، وهو سؤال ليس منعزلا بل ينتظم داخل تساءل فلسفي متناسق يجعل الجواب ذي طابع دقيق وبرهاني. بحيث يتمظهر هذا الجواب الفلسفي في صيغة خطاب فلسفي ضمن خطابات أخرى متعددة ،لدى فهو يسعى إلى إثبات صدقيته وتماسكه المنطقي. إن السؤال كخاصية أساسية للتفكير الفلسفي هو خاصية ملازمة لتاريخ الفلسفة وموجود منذ بداياتها, إذ كان سقراط يرتكز, في محاوراته أساسا, على طرح الأسئلة وذالك قصد بناء معرفة حقيقية بعيدة عن الوهم والاعتقاد البديهي بامتلاك حقائق الأشياء. وهو اعتقاد غالبا ما يحاربه الفيلسوف وذلك بوضع الحقائق بمحك الفحص والنقد. الشئ الذي أدى إلى أن تنتج الفلسفة إحدى آليات فعل التفلسف " الشك المنهجي" على يد رينيه ديكارت، فالشك يقتضي وضع كل الأشياء موضع تساءل، وذلك قصد الوصول إلى الحقيقة، وبتعبير ديكارت إن أحكاما كثيرة تمنعنا من الوصول للحقيقة وتتشبث بنفوسنا تشبثا يبدوا لنا معه أنه من المحال أن نتخلص منها ما لم نشرع في الشك من جميع الأشياء التي قد نجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. إن الشك، كتجربة تعيشها الذات تجاه حقائق معينة، يعمل على نقد وفحص أسس هذه الأحكام وإعادة بناءها على أسس أكثر عقلانية، على اعتبار أن العقلانية أساس من أسس فعل التفلسف. فإذا كان الفيلسوف يتفلسف بدافع من اندهاشه, ومن أجل المعرفة الحقة, وبفعل شكه المنهجي، فإنه يتفلسف كذلك انطلاقا من ضرورة إعمال العقل والنقد، أي أن التفلسف يقوم على النظر العقلي الذي يفحص موضوعه من أجل معرفته معرفة حقه. فالعقل هو مصدر معارفنا، أي إقامتها على معيار العقل ولاشئ غير العقل.
    لا بد من الإشارة إلى أن التفكير الفلسفي يخضع للصرامة المنطقية، أي إلى وجود روابط عقلية بين المقدمات التي ينطلق منها الفيلسوف والنتائج التي يتوصل إليها، هذا من جهة ومن جهة ثانية وجود علاقة منطقية بين نظريات الفلسفة سواء تعلق الأمر بنظريات في الوجود أو المعرفة أو القيم. فما هي القيم التي دافعت عنها الفلسفة؟ يجيب إريك فايل على هذا السؤال بأن الفيلسوف يسعى إلى أن يختفي العنف، بكل أنواعه المادية والرمزية، من العالم. ويقدم جون لوك إجابة أخرى مفادها أنه لابد من المحافظة على كل الحقوق الإنسانية والمدنية، وذلك بإضافة العدالة إلى واجبات الإحسان والمحبة. فالفلسفة بهذا المعنى تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غاية قصوى للوجود الإنساني مثل الإيمان بالاختلاف والحوار والتسامح ونبد التعصب واحترام حقوق الإنسان. كما تقف الفلسفة في مواجهة مسخ الوجود البشري والمس بقيمته وتشويه كينونته بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي. وهي إحدى الوظائف التي تبرر حضور الفلسفة فتتنبأ بمستقبل زاهر لها، فكما يرى اريك فايل فالفلسفة تنتعش خلال الفترات التي بكل تأكيد هي فترات البؤس المطلق.

    فالفيلسوف يقف بأسئلته محاولا إعادة النظر في الظواهر التي تعمل على تنميط الإنسان وتشييئه وإن كانت تبدو بديهية للعامة.
    إن الفلسفة تجعل من الوجود الإنساني وقضاياه الميتافيزيقية موضوعا لها، كما تجعل من نتائج المعرفة موضوعا للتأمل. إضافة إلى ذلك فإن التفكير الفلسفي يهتم بالقيم، وعلى المستوى المنهجي فإن للتفكير الفلسفي توابث تجعل منه تفكيرا متميزا عن باقي أنماط التفكير الأخرى.

    إنه تفكير يعتمد على الدهشة والتساؤل والشك المنهجي, كما أنه تفكير نقدي،
    و شمولي، وعقلاني ونسقي. والذين يتساءلون عن دور الفلسفة وعن فائدتها اليوم إنما يعلنون عن سر الفلسفة من حيث هي خطاب ضد العنف بجميع أشكاله وضد تشيئ الإنسان أمام التقدم العلمي والتكنولوجي وضد الخطاب الواحد، وبهذا المعنى يمكن أن نردد مع اليفر ليمان إننا قد نكون على أعتاب مجتمع مابعد الحداثة إلا أننا لسنا على أعتاب مجتمع ما بعد الفلسفة.
يعمل...
X