إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عاصي الرحباني في غيابه الـ 25 مازال بأغنياته يعانق أعمدة بعلبك وياسمين دمشق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عاصي الرحباني في غيابه الـ 25 مازال بأغنياته يعانق أعمدة بعلبك وياسمين دمشق


    في غيابه الخامس والعشرين
    عاصي الرحباني مازال بأغنياته
    يعانق أعمدة بعلبك وياسمين دمشق




    دمشق - سانا
    ارتبط اسم عاصي الرحباني بلبنان إلى حدّ لا يستطيع المرء معه أن يتذكره دون أن يتساءل.. لو كان لا يزال حيا، ما تراه كان سيكتب ويلحن لتغني فيروز يتساءل الشاعر اللبناني الكبير أنسي الحاج في ذكرى رحيله الخامسة والعشرين ويتابع.. سؤالاً افتراضياً لكنه يشبه تساؤلات عاصي الرحباني، الذي كان، على الأرجح، سيعثر له على جواب ساطع البداهة وغير مرئي إلا لعينيه هو، على جاري عادته.
    ويضيف الحاج في مقالته عن الرحباني في جريدة الأخبار اللبنانية.. يعاني كثير من الناس عذاب الانسلاخ عن الماضي أطفالا ومراهقين وكهولا لأن الماضي هو نعيم اللامسؤولية، حيث الحرية متاحة في حمى البراءة لقد وجد عاصي الرحباني، ابن الماضي الدائم، الحل لهذه المشكلة بأن أقام في الماضي عبر جعلنا كلنا نقيم معه فيه أقام فياضاً إقامة الماضي في الحاضر والمستقبل في الماضي والزمن كله مجلو وراقص ومزهوّ ومنتصر ككلّ ما نعشق حين نعشقه إلى النهاية.
    لم يكن غيابه في الواحد والعشرين من حزيران1986 غياباً عابراً في حياة السوريين فهو الشاعر والموسيقي الذي كتب أحلى القصائد ولحن مع شقيق أغنياته منصور الرحباني أجمل الأناشيد لدمشق التي عاشت في خلده ووجدانه مثلما عاشها مع رفيقة دربه فيروز منذ سطوع نجم الرحابنة على مسارح الأرض العربية.
    ولهذا كتب عاصي الرحباني مع أخيه منصور لصوت فيروز عن الشام مالئاً قلوب كل العرب السوريين بقصائد خلدت مدينة الياسمين على نحو إلى دمشق.. ضفاف بردى.. خذني بعينيك أيها القمر.. حملت بيروت.. ياشام عاد الصيف إلى جانب ما قدمه الرحابنة في إعادة تقديمهم لفلكلور "يامال الشام" واستلهامهم للفلكلور السوري الشعبي على نحو.. ياحنينة قالوا لي كن وسوق الحميدية.
    ولعاصي الرحباني عهد قديم بدمشق التي اعتبرها مدينته الأقرب إلى عقله وروحه منذ انطلاقته الفنية الأولى حيث كان تعاونه برفقة منصور وفيروز مع إذاعة دمشق عام 1952 بتسجيل أغنية عتاب التي حققت شهرةً واسعة للأخوين رحباني إضافةً إلى صدور "سمراء مهى" أول مجموعة شعرية عام 1951 عن دار الرواد بدمشق والتي ضمت 77 قصيدة للثنائي الرحباني مرفقة برسوم الفنان السوري أدهم اسماعيل.
    ولد عاصي عام 1923في أنطلياس المنطقة الجبلية القائمة على كتف بيروت في منزل والده المناضل حنا الياس الرحباني حيث كان الوالد حنا صارماً في تربيته لأولاده رجلاً محافظاً يحمل من القرية اللبنانية تقاليدها العريقة ما حمله على وضع قواعد صارمة تتعلق بالآداب والتربية السليمة إلا أنه رغم قسوته كان الأب محباً للموسيقا يعزف على البزق في أمسيات المطعم الذي يملكه في أنطلياس جامعاً حوله زبائنه والولدين الصغيرين عاصي ومنصور ليستمعوا إلى عزفه بالإضافة إلى بضع أغانٍ قديمة على الفونوغراف وخاصة أغاني أم كلثوم أمين حسنين عبد الوهاب وسيد درويش.
    وفي هذا الجو القروي نشأ الصبي عاصي وكان لجدته لأمه الأثر الكبير في تربيته فقد كانت تحفظ الكثير من الحكايا والخرافات ناظمةً إياها في قالب الزجل على الرغم من كونها أمية حضت حفيدها على حفظ الموروث الشعري والولع به.
    ومنذ طفولته كان عاصي كأخيه منصور مغرماً بالشعر والموسيقا ليبدأ أولى محاولاته في نظم القصائد في سن الثامنة وفي الثانية عشرة من عمره اشترك في مجلة المكشوف وبعدها في مجلات أدبية أخرى كان منصور يشاطره قراءتها بشغف كبير لينكبا بعد ذلك على قراءة كتب الفلسفة وطاغور وديستوفسكي ومسرحيات شكسبير.
    من هنا انطلق الإبداع ففي عمر الرابع عشرة أسس عاصي مجلة اسمها الحرشاية حيث كتب بخط يده أولى محاولاته الشعرية والقصص المسلسلة باللغة العربية الفصحى والمحكية اللبنانية كان يوقعها عاصي بأسماء مستعارة ثم يذهب ليقرأها من بيت إلى بيت في نهاية كل أسبوع ما أثار غيرة الأخ الصغير منصور من أخيه الأكبر التي دفعته إلى أن يؤسس مجلة اخرى مشابهة سماها الاغاني.
    وتعلم عاصي العزف على البزق إلى جانب أخيه منصور ودرسا علم الهارموني إضافةً إلى تاريخ الموسيقا الشرقية من كتب نادرة كانت بحوزة الأب بولس وسرعان ما بدأا بالتأليف فكان أول عمل لهما عبارة عن نشيد بمناسبة عيد الأب بولس الأشقر ثم الحانا دينية وبصورة خاصة المزامير بالاشتراك مع الجوقة.
    ومع هذا لم تقتصر موهبة عاصي على الموسيقا فقط حيث كان شغفه بالمسرح كبيراً والذي تعرف عليه مع منصور في مدرسة فريد أبو فاضل والمدرسة اليسوعية في بكفيا ومع غياب حركة مسرحية ناشطة في لبنان في أربعينيات القرن الفائت لم يتوقف الأخوان الرحباني عن تقديم أعمال مسرحية هنا وهناك عندما تسمح الظروف ليصير المسرح هاجساً لدى عاصي ومنصور إلى أن كتب يوسف لويس أبوجودة مسرحيات لهما خصيصا بالعامية اللبنانية.
    وفي عام 1944 بدأت مرحلة جديدة في حياة عاصي الرحباني الفنية حيث بدأ مع أخيه بتقديم مسرحيات غنائية طويلة ذات قصة فيما نظما ولحنا أغنيات قصيرة لا تتجاوز مدتها دقيقتين أو ثلاث دقائق فكان لها حضور إيجابي في إذاعة دمشق وإذاعة الشرق الأدنى ليتجاوب معهما مديرو تلك الإذاعات حيث وجدوا في أغنيات الرحباني نمطاً جديداً للأغنية غير الأغنية الطويلة التي كانت سائدة والمعتمدة في معظمها على الترداد والتطريب إلا أن التدهور المالي لعائلة الرحباني لم يسمح باستمرار النشاط الفني فانضم عاصي إلى سلك البوليسي بعد أن اضطر إلى تكبير سنه كي يحق له التقدم الى الوظيفة ثم تبعه منصور.
    يقول منصور الرحباني عن تلك الأيام ..نحن جئنا بتفكير شعري وبموسيقا مغايرة غيرنا كل شيء.. لماذا.. لا أعرف تأثرنا بعبد الوهاب كما تأثرنا بسيد درويش وبالعديد من الفنانين لكن عندما جئنا لنكتب.. كتبنا بلغتنا الخاصة وفي رأيي على الفنان أن يقول جديدا والا فليصمت.
    ولقد هيأ عاصي ومنصور لفيروز انطلاقة رحبانية محضة حيث خضع صوتها للكثير من التجارب الصعبة ما ساهم بأن يذوب كلا الأخوين في حنايا الصوت الذي عكس مسيرةً فنية عالية تعتبر من أهم التجارب الفنية العربية في العقود الخمسة الأخيرة إذ كان هم الرحبانيين خلق موسيقا لبنانية ذات هوية واضحة.
    وبالنسبة للشعر الغنائي بدأ عاصي ومنصور بكتابة القصيدة القصيرة المختصرة التي لا تتجاوز مدة غنائها بضع دقائق مثل لملمت ذكرى لقاء الأمس وسنرجع يوما أما بالنسبة للموشحات فوجدا أنها انقرضت أو كادت فجمعاها وأعادا إحياءها من جديد وعمل منصور الشاعر مع عبقرية الأخ الموسيقية على إعادة توزيع الموشحات العربية توزيعاً موسيقياً جديداً وزادا على كلماتها وكان استقبال الناس لها عظيما ثم صارا يؤلفان موشحات خاصة بهما بيد أنه كتب ديواناً كاملاً بعنوان الأخوين.
    وفي عام 1955 بعد أن تزوج عاصي بفيروز سافرا جميعاً إلى مصر للاطلاع على شؤون الفن هناك فالتقوا أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب وعرضوا عليه تقديم عمل للقضية الفلسطينية فاقترح أحمد سعيد أن يسافر الرحبانيان إلى غزة ليستمعا إلى الموسيقا والشعر هناك فاعتذرا لخوفهما من ركوب الطائرة لكن عندما طلبا الاستماع إلى بعض الأغاني المسجلة وجدا أنها مفعمة بالبكاء فعرضا على سعيد أن يقدما شيئاً بطريقتهما الخاصة ليقدما وقتها غنائية راجعون وفيما بعد وضع الأخوان رحباني مجموعة من الاغنيات عن القضية الفلسطينية كرائعتهما زهرة المدائن.
    وفي مهرجانات بعلبك التي كان منظموها يستعينون بفرق أجنبية من مختلف أنحاء العالم لإحيائها كان لعاصي ابتداءً من عام 1957 الحاجة إلى تقديم فن لبناني في هذه المهرجانات فكان الرحابنة أول من استدعي لتوكل إليهم مهمة التلحين فقط في البداية لكن المهرجانات ألغيت في السنة التالية بسبب الأحداث التي شهدها لبنان في تلك السنة وفي العام 1979 عاد المهرجان مقدماً الرحبانيان مسرحيتهما المحاكمة من بطولة فيروز ووديع الصافي ليكون النجاح حليفهما أنى ذهبا وباتت الدعوات تأتيهما من كل حدب وصوب ليعملا دون توقف.
    وفي عام 1967 ومن مسرح البيكاديللي ببيروت بدأ الرحبانيان بتحضير برنامج لمهرجانات بعلبك و الأرز في الصيف وبرنامج آخر لدمشق ولمسرح البيكاديللي في الشتاء ابتداء من مسرحية هالة والملك بالاضافة الى الحفلات الغنائية خارج لبنان وسورية.
    ونحو السينما كانت الخطوة الثانية لعاصي وأخيه عندما جاء بالفكرة صديقهما الدمشقي رجا الشوربجي الذي أقنعهما بتحويل إحدى المسرحيات إلى فيلم سينمائي حيث انجز عاصي ومنصور والسيدة فيروز كلا من بياع الخواتم مع يوسف شاهين وسفر برلك مع المخرج هنري بركات وفيلم بنت الحارس ليتم الرحابنة الدورة التي معها دخلا إلى التراث اللبناني من مختلف أبوابه في المسرح والاذاعة والتلفزيون والسينما.
    وتعتبر تجربة عاصي وفيروز من أكثر التجارب الفنية التي تميزت بموسوعية فنية شملت وما زالت على اهتمام الملايين من العرب عبر ما خطته هذه التجربة من أسلوبية متفردة في مخاطبة الوجدان الجمعي العربي سواءً في الأغنية أو السينما أو المسرح إذ كان هذا الأخير خلاصة التجربة الرحبانية في إثراء الفن العربي والإضافة وأيما إضافة على مفرداته الشعرية والموسيقية والفكرية.
يعمل...
X