إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مجموعة (الموكب الملكي) قراءة - للقاص عبد الرحمن الوادي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مجموعة (الموكب الملكي) قراءة - للقاص عبد الرحمن الوادي

    قراءة في المجموعة القصصية
    «الموكب الملكي»

    حميد ركاطة


    تميزت مجموعة (الموكب الملكي) للقاص عبد الرحمن الوادي بسخرية لاذعة، وبتنويع لغوي في بعض نصوصها بين توظيف اللغة الدارجة المغربية، واللغة العربية الفصحى. وقد لاحظنا لجوء الكاتب إلى تجنيس فضفاض «مجموعة قصصية» ربما مرده إلى كونها تضم قصصا قصيرة عددها عشرة قصص، وقصصا قصيرة جدا. عددها أربعون قصة.
    لقد استأثرت المجموعة بارتكازها على التضمين الحكائي، والاشتغال على التناص والميتاسرد؛ من خلال سخرية عرت عن أقنعة العديد من شخوصها وهي تنتقد هناتهم، وفلتتاتهم، وجنونهم. كما طرحت العديد من الأسئلة الشائكة حول قضايا من قبيل الحب، والجنس، والخيانة برزت من خلال مواقف ومواقف مضادة.
    أغلب نصوص المجموعة مذيلة بتاريخ ومكان كتابتها (خنيفرة/خريبكة) ما بين سنتي 2012/2011، باستثناء النصوص الأولى، وقد وشح بعضها بإهداء خاص لكل من القاص المغربي حسن برطال "سنفونية خاصة جدا/والفنانة التشكيلية الفلسطينية لطيفة يوسف (الموكب الملكي).
    والمجموعة صادرة عن دار الوطن سنة 2012 وقدم لها كل من الأستاذين: عبد المطلب عبد الهادي مدير منتدى "من المحيط إلى الخليج"، والأستاذ محمد إدارغة من المغرب بمقاربة تحت عنوان: "مساحات استكشافية في هوامش المهمش". أما لوحة الغلاف، فمن إنجاز الفنانة لطيفة يوسف. وقد ارتأينا مقاربة المجموعة من خلال المحاور التالية: 1) الحب والخيانة وسؤال الجنس.
    يغدو الكلام غير ذي جدوى أمام لغة الحواس، فالإنسان مهما عجز عن تركيب جملة أو كلمة دالة على معنى صادق، يظل الشرود يلف كيانه، بل يسحبه إلى الأعماق متذمرا وعاجزا عن تحقيق أمانيه.
    في نص "صلح الأصابع" ص 62، يبرز أن البطل وزوجته بقدر ما حاصرهما الصمت والجفاء، وهما يتأملان في ضياع شاطئ البحر والشمس والسماء، وهما يحققان التحامهما الصامت، ستتحرك حواسهما من خلال حركة أصابعهما لتعلن النهاية على الحرب الصامتة؛ من خلال اشتباكهما لا إراديا. وإذا كان الحب سببا في الالتحام والتصالح، فإننا سنلمس في نص "اللقاء الأخير" ص 60 نوعا من الجفاء القاتل؛ حيث ينتصر المعنى المضمر في الحوار المحيل على المعنى الظاهر. حوار يحمل في طياته راسب خيانة، وشك، وقلق في غياب ثقة بين الطرفين، عمل السارد على مسخ ملامح أبطالها من خلال الإحالة عليهما بـ "قال/قالت" مبرزا احتقانا، وعصبية يقابلهما تجاهل، وهدوء غامض ممزوج بلامبالاة كبيرة. يقول السارد: "أسدلت جفنيها على أخر لقاء بينهما، واستقبلت النوم بكل الحفاوة التي تليق به" ص 62 .
    في حين يبرز سؤال الجنس المضمر من خلال نص "العيساوي" ص 64 وهو نص كتب بأنفاس ساخرة حد البكاء. سيبرز الفشل في الانتصاب من خلال تعاطي البطل الميسور، والمتعدد الزوجات "للحبات الزرقاء" التي بدورها لم تجد نفعا، وهي تفتح النص على فظاعة أخرى، وخيانات بالجملة. يقول السارد: "... خف إليه أحد خصيانه الظرفاء ليلا وأسر إليه من وراء حجاب: فرجك يا مولاي بين شدقي العيساوي وأصابعه"ص 64
    2) الجريمة والجنون
    بين الحب والخيانة تحفر الجريمة مسافتها كالشعرة، تفصل بين عالمين متناقضين، يترجمهما السلوك البشري المفرط الجرعات في أحد الاتجاهين. ففي نص "إعدام" ص 77 بقدر ما يحيل في حيثياته على جريمة فظيعة، يبرز في ذات الآن سلوك الإفراط في الحب حد العنف القاتل - وهذا السلوك البشري نلمسه لدى الحيوانات التي تلتهم أبناءها خوفا عليها وحبا فيها - وهو سلوك مترجم داخل النص من خلال إقدام البطل على خنق محبوبته "من فرط شوقه الطويل والعريض إليها" فالانتقاد يعري كذلك عن سخرية السارد، وبالتالي إدانته لسلوك البطل المحكوم عليه بالإعدام.
    فهل الجنون، والحمق، قدر شخوص هذه المجموعة التي تبرز نصوصها هلوسة مريعة وهي تنقل تفاصيل اللحظات الهاربة، المحملة بالعنف اليومي، وفظاعته. فنص "باقة السعد" ص 78 يناقش إشكال الحظ الذي يترابط بشكل مريع مع ظاهرة العنوسة، وما تحمله في طياتها من انتظار جارف. سنلمس كيف سيترجم أحلام البطلة، وهي تتلقف باقة الورد من العروسة وتسارع إلى سحب عريسها. سلوك بقدر ما يتنافى مع واقع اللحظة يترجم الرغبة الدفينة التي ترجمها الانتظار الرهيب والعنوسة البغيضة.
    3) السخرية
    برزت السخرية في العديد من نصوص المجموعة كسخرية انتقادية رهيبة، وهي تعري عن مفارقات الواقع وتدينه في ذات الوقت. سخرية شملت المبدع، والمثقف، والسياسي، والبسطاء من الناس في نمط عيشهم ومواقفهم الغريبة.
    في نص "مشروع مطربة" ص 12 تبرز السخرية من المشهد الفني، انطلاقا من المواصفات التي يجب توفرها في المبدع. وهي مواصفات جاءت على لسان السارد، نابعة من حكم الغريزة الجنسية، والإثارة الدالة على الانحطاط الأخلاقي، والسفور المطلق، وهو يخاطب المطربة المبتدئة وهي تحدد رغبتها في ولوج غمار الميدان الفني قائلا "... أن تكون لك أرداف تشتت الأحلاف، ونهدان بارزان عن بقية الأصناف، وطاقم أسنان تختل فيه الأوصاف "ص 12 إن اللغة التي تحكم قاعدة الكتابة في النص تجعلها أقرب إلى لغة شعرية موزونة، تتضمن في طياتها سخرية دالة على بشاعة ومجون.
    في حين سينقل سارد نص "حفل توقيع" ص 80 باستهزاء مدى الدونية التي يحظى بها المثقف، بالمقارنة مع الفنان الشعبي مثلا، فالثقافة هم قد يشغل بال الفئات العريضة من البسطاء؛ لأنها غير مترسخة في لا شعورهم، بالمقارنة مع الطرب الشعبي. كما يرصد النص بمفارقة بليغة اللبس بين اسم الفنانة الشعبية، والكاتبة. وهو أمر قدم له السارد من خلال اندهاش الكاتبة من عدد الحاضرين، الذين حطموا بتواجدهم رقما قياسيا لم تشهده حفلات توقيع لها خارج الوطن، أو في مراكز ثقافية أخرى، يقول: "ما كاد يكشف المرافق عن طبيعة الحفل حتى بدأ الجميع ينسحب ساخطا، التبس عليهم اسم الأستاذة مع اسم أشهر مطربة شعبية في البلد".
    فالسخرية بقدر ما تدل على القبح، تدل على البشاعة حد تحول اللغة حمالة لدلالات، ومعان تتجاوز حيز النص. يقول السارد في نص آخر: "قال ملحن مشهور لشاعر مغمور: حسبي أن آخذ الورقة وأدخل الحمام.. ثم أخرج منه وأنا أدندن باللحن الجميل.. رد عليه الشاعر.. كنت أتساءل مع نفسي دائما لماذا كل ألحانك ذات رائحة نتنة" ص 14
    ويرصد سارد نص "بغي من ورق" ص 73 نوعا من السلوك داخل فضاء المقهى، قدر له أن يترسخ كعادة مع مرور الأيام إلى حد بات يصعب مقاومته. فمضمون النص يبرز تناقضا مع عتبته المحيلة على البغي من خلال تنقل جريدة بين أيادي الزبائن بشكل متواصل، شبهه بعاهرة تمنح جسدها دون رغبتها. لينتهي بها المطاف نحو النبذ. يقول السارد: "تظل طوال ساعات اليوم تسلم من يد ليد.. إلى أن يصحبها نفس المترصد غير الأول إلى بيته ليهملها تحت سريره بعد أن يقضي حاجته منها"
    في حين يبرز نص "القناص" ص 83 بطل النص في صورة ساخرة ومضحكة من خلال الارتكاز على ردود الأفعال النفسية المضمرة: من خوف، ورهبة، بعد الضغظ على الزناد وما ترتب عن ذلك من أثار نفسية. يقول السارد: "ضغط القناص على الزناد فسقط سرواله على الأرض مضرجا في غائطه" وهو ما يفتح النص على مسارات تأويل متعددة، وقراءات مختلفة.
    إن الاشتغال على نتانة الجسد والسلوك، بقدر ما تعددت في نصوص المجموعة، رصدت حالات متعددة، ومواقف مختلفة. وسنلمس تناص نص "البصاص" ص 17 مع نص آخر "شخص خطير" ص 13 في إحالتهما على نتانة البطلين وعفونتهما، وبالتالي نلمس تناصا على مستوى الأمكنة كذلك (المرحاض) غير أن نص البصاص المنتمي إلى جنس القصة القصيرة سيبرز بطلا كريها إلى حد بعيد، من خلال هستيريته، وانشطار شخصيته لحظة تحديقه في المرآة. يقول السارد: "راح يلقي نظرة إلى كل جزء منها فيرى ما رأى في كل واحدة منها، وحين تحسس من جديد مواقع شعره لم يعثر عليه هذه المرة" ص 19. وسيكون هذا التحديق من بين الأسباب التي ستدفعه إلى الانتحار، مع ما تركه من مخلفات وتحقيقات. يقول السارد: "فتحت الشرطة تحقيقا في قضية قتله، وحشرت في مخفرها عشرات المتهمين المشتبه بهم ممن نالتهم عيونه" ص 19
    نص "البصاص"، بقدر ما ينقل وقائع مزيفة لبطل أرق محيطه، يطرح أكثر من سؤال حول حقيقة ما كان ينقله من أخبار؛ لعدم توازنه وإحساسه بالخوف من رؤسائه، الذين كان ما يهمه هو الظفر برضاهم وإعجابهم، وهو أمر لم يكن ليتحقق له مرارا. يقول السارد: "تملكت جسمه رعشة قوية. جف حلقه، تفصد العرق من كافة مسامه. قلبه يكاد خفقانه السريع يهشم ضلوعه لينطلق خارجا من هول الصدمة" ص 18
    أما في نص "خطاب سيد الأكباش" ص 24، فإننا نلمس نوعا من السخرية التي تتناص في مضمونها وانتقاداتها مع نص آخر "ليلة الاقتراع" ص 27 وهو يعري عن زيف وإدعاءات المتطفلين. فإذا كان النص الأول يبرز الكبش الأقرن راضيا بمصيره، وقدره، وتضحيته من أجل لقاء ربه كفدية، فإنه يحيل على الخطاب السلفي الجهادي، وعلى بعض أدعيائه الذين يتملصون من مواقفهم في الأوقات الحرجة من جهة، ويتناص مع قصة سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل كقصص من القرآن. غير أن نص سيد الأكباش سيبرز شخصية كاريكاتورية أكثر جبنا. يقول السارد: "وما إن توارب الباب، حتى قفز إلى الخارج، مطلقا سيقانه للرياح تتبعه..." ص 26 في حين سيبرز الموقف المماثل في نص "ليلة الاقتراع"؛ من خلال صعود المرشح تحت وابل التصفيف للمنصة ليلقي خطابه الذي انتهى بمعركة، لاذ خلالها بالفرار بعد دخول مناصريه ومعارضيه في طقس عراك محتدم.
    4) الكتابة
    تنوعت تقنيات الكتابة في المجموعة؛ من خلال الارتكاز على التناص، والميتاقصة، والاستيراد (النقل) المفاهيمي، والتضمين الحكائي. ما جعلها كتابة تقدم نماذج مختلفة، وطروحات مغايرة. مثلا في نص "مجرمة" ص 63، يعمل القاص عبد الرحمن الوادي على الاشتغال على توظيف مغاير، واستيراد مفاهيمي من حقل دلالي مختلف، وتوظيفه ضمن سياق لا يخل بمعنى النص أو مضمونه. فالمتلقي يجد نفسه داخل فضاء محتدم، وأوار معركة بين عاشقين. وهو يرصد تفاصيل، وحيثيات جلسة داخل قاعة محكمة، ليفاجأ بالتشييد البديل، على أنقاض البناء القديم المليء باللوم، والغضب، والكراهية، والخلاف. بحبور، وحب، وفرح، واتفاق . تم اقتباس السياق اللغوي الثانوي للدلالة على علاقة حب جياشة بين عاشقين. طرفاها القلب، والجوارح. وستدور أطوار المحاكمة في ذات المحب، قبل أن يلتمس لها البراءة، والإقرار بحكم نهائي دال على الاقتران الأبدي، ضمن زفاف حافل. يقول السارد: "... وقبل النطق بالحكم، استطاع أن يقنعهم جميعا بالحجج الدامغة، بأن يسحبوا الراء من بين الحاء والباء ويشيعوهما إلى خارج المحكمة بالطبل والغيطة ".
    نفس الطرح سيتم اعتماده في نص "كفى من ..." ص 75 الذي تدل نهايته على عكس أحداثه وسياقه الأول، لتتم إدانة السلطات الأمنية، وكيفية تعاطيها غير الفعالة مع ظاهرة السلب، والنهب، في واضحة النهار، في الطريق العمومي .
    كما سيسوق الكاتب من خلال سارده، حالات نفسية رهيبة: كالاحتباس الإبداعي، وتمنع الكتابة في لحظة يغدو فيها الكاتب مكبلا، وقد حدته رغبة جامحة في مراودتها عن نفسها بالقوة. فالبحث عن قفلة للنص القصصي، سيقارن بتمنع الحبيبة المرغوب فيها، وهي تشاكس كي تظل حاضرة في ذهن عشيقها، إلى الدرجة التي تنغص عليه لذة النوم. ويظل هو حريصا على البحث عن سر تحققها، وشفرة تمنعها .
    كما لمسنا اشتغالا على الميتاسرد في نص "جسر الخليل" ص 82، من خلال تحول الكاتب إلى متلق خارج النص بشكل مقنع، مع الدفع بالسارد إلى حلبة الحكي، وقد تحول ساردا مقنعا. وهو الأمر الذي تكشف قفلة النص المبتور النهاية "معذرة، هكذا وصلني الكلام مبتورا". إن هذه الجملة الاعتراضية بقدر ما تدفعه إلى البحث عن دور الكاتب الذي تحول إلى متلق، أو سارد ثان هي ما يشعل فتيل الحكاية التي استعرت نارها منذ البداية "أهمل قلمه على ورقته واستلقى... على كرسيه مطلقا تنهيدة محمومة" ص 82
    إن الإخبار عن الواقعة، وإبراز الحياد في مقدمة النص لم يعف الكاتب من التورط في أحداث النص، باعتباره يحكي عن لحظة عابرة معاشة وصداها يتردد نحو الأعماق. أحداث غير مرئية لكنها محسوسة لحظة تأمل ما من خلال الحوار بينه وبين أحد شخوص نصه . فالالتجاء نحو الميتاسرد، يبرز انشغالا دالا على وعي الكاتب بأدوات الكتابة، وتنظيرها الذي برز من خلال هذا النص كمحاولة للتجريب. لكننا نتساءل هل استنفذت القصة بعد كل حيلها، وباتت حبكتها التقليدية غير قادرة على الإمتاع، والتجديد؟
    وسيبرز الانفتاح على كتابة تبحث عن تجلياتها بين الواقع والخيال؛ من خلال استرجاع السارد الواقف أمام البحر لصورة حبيبته، وهو بصدد رحلة نحو الفردوس المفقود. لكن الواقع أن الضفة الأخرى هي الحبيبة المتجلية بكل معاني الحب السامية. عكس ما يعتقد القارئ. يقول السارد: "أطرق لحظة وهو يحرك رأسه في كل الأنحاء، وقد غرز فكه الأعلى في شفته السفلى ثم اندفع بقوة مشرعا ذراعيه وهو يردد بأعلى صوته: بالحضن حبيبتي... غمرته الأمواج المتلاطمة" ص 23، وكذلك في نص "القيروانية" ص 47 الذي أبرزت وقائع تفاصيله أنها حدثت في لحظة بين الخيال والواقع، وهو والسارد ينقل تفاصيل كتابة النص بالمقهى عندما انفلتت ضحكة مجلجلة ستعيده إلى الواقع .
    أما في نص "عشق يمشي على عكازه" ص 30، فسنلمس تضمينا لحكاية الجدة الأصلية من خلال نقل خبر نعيها، حكاية تبرز حنكة الجدة وقدرتها على التحكم في سرد الوقائع، وبالتالي ممارسة هيمنة وجاذبية على المتلقي. كما كانت تعرف اللحظة التي تتوقف فيها لمنح المتحلقين حولها فرصة للترويح عن أنفسهم. يقول السارد: "والطريف في الأمر أنها كانت توقف السرد في قمة الأحداث؛ حتى تمنحنا فرصة الذهاب إلى الحمام، والعودة منه بسرعة" ص32
    كما نلمس أن النص مقتطع من جزء من سيرة ذاتية أخرى ظلت مضمرة في لج أحداث السرد، لا يكشف معالمها سوى من امتلك حدسا، أو امسك بخيوط الحكي. يقول السارد مخاطبا جدته: "ألست أنت هذه، وذلك جدي تولاه الله برحمته؟... ضحكت، ووكزتني بعكازها في بطني، فبقيت أتلوى من الضحك" ص 35
    ونلمس التوسل بالتناص اعتمادا على توظيف الموروث الثقافي الشعري؛ من خلال استحضار السارد لشخصي الفرزدق وجرير في صراعهما ومناوشتهما التي سجلها ديوان العرب. هذا الاستحضار بقدر ما يحيل على المواجهة والمبارزة شعريا، نجده في ثنايا النص محيلا على صراع داخل حلبة أخرى معاصرة، وينفح النص بقضايا مستوحاة من الواقع المعاش . أما في نص "الموكب الملكي"ص 86، فنجد الانفتاح على التناص التاريخي؛ من خلال نقل وقائع من حياة الأمراء الباذخة داخل القصور، ولياليهم الحمراء. نقل بقدر ما سيبرز استبدادا، سيعلن عن غياب حرية الرأي والتعبير، وعن فظاعة وتسلط سيكون ضحيتها مؤنس الملك. من خلال حكي داخل الحكي وتضمين حكاية الملك نفسه. وقد وضعت شخصه محط انتقاد وسخرية، عريت عن رتابة الطقوس الملكية "المقدسة"، وموقف الشعب منها. فانتحال الملك لشخصية أحد رعاياه ستبرز خطابا غير جديد بالنسبة للمتلقي، لكنه غريب بالنسبة لشخص الملك، وهو يصدر عنه وبلسانه. يقول السارد: "أثار فضوله أفواج من خارج المدينة مكدسة في عربات تم إرغام سائقيها على حشرها من كل المدائن والمداشر القريبة" ص 87. كما ينفتح النص على نهاية موجعة؛ من خلال الحديث ضمنيا في صلب الحكاية الأولى "بات المؤنس رمادا تذروه الرياح" ص 88
    5) المواقف والمواقف المضادة
    تبرز نصوص المجموعة من خلال بعض شخوصها مواقف محددة تجاه قضايا: كالحرية، والحب، والمواطنة، والشرف، والجنس، والسلطة، والسياسة... ففي نص "سنفونية خاصة جدا"ص41، نلمس الإحساس بالغبن الذي يطال بطل النص، بعد تنكر الوطن له، ما سيدفعه إلى الانتقام منه بتمزيق حروفه وفصلها عن بعضها بحنق شديد. تمزيق سيفرز بعد محاولة إعادة تركيبها من جديد عبارة عن معان خارجة عن سياق معنى الوطن، وهي تركيبة مبهمة وعصية على الفهم، وذات إيقاع موسيقي خاص دال على الانفجار، والسخط. يقول السارد: "أعاد الحروف برفق وخشوع سيرتها الأولى والأوْلى وسنفونية قلبه تتعالى بحدة... تكتم أنفاسه مرددة رغم ورغم بم... وطن.. بم.. بم.. بم.. وطن" ص 45
    أما في نص "ضربة جزاء" ص 81، فإننا نلمس طرحا موازيا لمقولة ماركس "الدين أفيون الشعوب"؛ من خلال عكس مضمونها على كرة القدم "كرة القدم أفيون الشعوب". وهذا القلب سيعكس الصورة التي نقل بها السارد أطوار المباراة، ووصفه للجمهور، وحالته النفسية، والعصبية. وقد بقي هو محايدا محتارا متذمرا ومنتظرا "أما أنا فلي أمنية واحدة عالقة بينهما: الفراغ من هذه للشروع في أخرى. ها قد انطلقت الصافرة" ص 81
    عموما، استأثرت مجموعة "الموكب الملكي" لعبد الرحمن الوادي باهتمامها بقضايا محورية، شكلت العمود الفقري للمجموعة، موظفا التناص، والميتاسرد، والتضمين الحكائي؛ من خلال الارتكاز على السخرية التي كانت في مجملها سخرية انتقادية بارزة في تعاطيها مع العديد من القضايا من قبيل الحب، والحرب، والجنس، والخيانة، والجريمة ...
    كما لمسنا الارتكاز على النص القصصي القصير جدا؛ الذي هيمن بشكل كبير بالمقارنة مع النصوص القصصية القصيرة .
يعمل...
X