إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصور التوزيع الموسيقي ( لخلق المسرح الغنائي الجديد ) مسيرة سيد درويش البحر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصور التوزيع الموسيقي ( لخلق المسرح الغنائي الجديد ) مسيرة سيد درويش البحر

    قصور التوزيع ( لخلق المسرح الغنائي الجديد )



    مسيرة سيد درويش البحر

    أحمد علي البحيري
    قصور التوزيع
    من أجل هذا كلّه فإن التغيير الذي حدث في حياتنا، يواجهنا بمسؤوليات كبيرة نحو خلق المسرح الغنائي الجديد، وبخاصة بعد أن ضمر إنتاج هذا اللون الفريد البديع من الغناء في مصر ولبنان، وبقليل في سورية وتونس، وهو اللون الذي يضع الموسيقى والتمثيل في موضعهما الفني، أي كأداة تسهم مع بقية الأدوات الفنية الأخرى في تفكيرنا الفني وفي بناء حياة فنية جديدة تتوازى مع تطور الظاهرة الاجتماعية والسياسية.
    ربما يكون مسرح سيد درويش هو الأقرب في دراستنا لهذا الجانب، وفي تنفيذه عمليا، أي في خلق هذا المسرح فعلا، وليس مجرد ترديد للعبارات والتوصيات التي تصدر عن المهرجانات الفنية والموسيقية العربية، ونقول ذلك لأن مسرح درويش البحر استطاع في فترته أن يؤدي دوره الوطني في فترة (يقظة شعبية) بحيث يعتبر من أهم معالمها الفنية بل يعتبر بالذات الصورة الموسيقية لثورة سنة 1919 في مصر. ولهذا فإن كثيراً من الدارسين والنقاد أخطأوا فهم وتقييم مسرح سيد درويش، حينما وضعوا أعماله في موزاين نقدية عريبة أو غير صالحة لوزنها، فنحن نعلم أن المرحلة التي وضع فيها الرجل ألحانه وموسيقاه كانت مرحلة تقليدية كلاسيكية محافظة، وهي المناخ الذي وضع فيه جملة من الطقاطيق والموشحات والأدوار في إطار يتناسب والمزاج الغنائي التطريبي للجمهور، ومع ذلك فقد حاول في (آهاته التقليدية) في الأدوار الخروج من هذا الايقاع واستحداث تركيب غير تقليدي، لزحزحة النغمة عن نسقها التطريبي البحت. أيضا في المرحلة التي انطلق فيها إلى الأغاني الجماعية وأغاني الطوائف والألحان المسرحية، فقد تم قياس هذه الأعمال للأسف في إطار المقاييس النقدية المنقولة نقلا حرفيا عن النهج الأوروبي، أو خليط من تلك الأنواع المستخدمة في قياس التراث الشعبي أو الموسيقى المحلية. ثم إننا نخطئ حينما نحاول تقديم إنتاجه بأساليب حديثة، والمقصود بذلك هو تقريب موسيقاه للمعاصرين الذين لا يعرفونها ولم يسمعوها من قبل، وبطريقتنا هذه نعمل على إبعاد الجيل الجديد عنها من حيث لا ندري. كيف؟
    إننا مثلا نستخدم كلمة “التوزيع الموسيقي” في أعماله، وهو عنصر مهم في ثراء اللحن والموسيقى بشكل عام، ولكن بشرط أن يكون الانتاج الموسيقي نفسه صالحاً للتوزيع. إن عملية التوزيع هي أولا عملية فهم لطبيعة ووظيفة الآلات الموسيقية من أجل استخدام هذه الآلات في مجالها التعبيري الصحيح، فمثلا آلة (الكمنجة) قادرة على التعبير الإنسيابي، ولا يجوز استخدامها في مجال التعبير بالإيقاعات والعكس صحيح أيضا، فلا يجوز استخدام آلة إيقاعية في التعبير عن جملة موسيقية إنسيابية. ويلاحظ في مقطوعات سيد درويش التي نسمعها موزعة أن التوزيع فيها محدود جداً أو متشابه الأسلوب، وبهذا يمكن القول إن اكتمال قالب اللحن عند درويش قد أغناه عن مسألة التوزيع الحديث أو المعاصر كما يحلو للكثيرين التفاخر به، وقد أشار أحد نقاد الموسيقى إلى أغنية ولحن سيد درويش “زوروني كل سنة مرة” وأدتها السيدة فيروز في توزيع جديد إلى أن ذلك لم يكن جديدا، ولم يضف شيئا إلى إنجاز درويش في تلحين الأغنية، وعلى نحو ما حدث لعشرات الأغنيات القديمة من العصر الذهبي للموسيقى العربية الشرقية الخالصة شكلا ومضمونا، وبخاصة أغاني محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، وفريد الاطرش وأم كلثوم، والتي جرى توزيعها وأداؤها من قبل مطربين جدد، مما أدى إلى تخريب واضح في تلك الأغاني، بل وإلى تشويهها أداء ولحناً ووزناً وإيقاعاً.
    نخلص من ذلك إلى أنه لا يجوز استخدام التوزيع في أي عمل غنائي تطريبي. إن التطريب هو من خصائص موسيقانا وأغانينا، وطبعا ليس معنى ذلك أن نتوقف عند مرحلة “التطريب” ولكن إذا أردنا استخدام الأدوات التعبيرية المستخدمة في موسيقى الغرب، فيجب علينا استخدامها في مجالها، أي نستخدمها في الانتاج التعبيري لا التطريبي، وبالنسبة لسيد درويش، من المفيد في نقل ألحانه استخدام التوزيع والكورال المتعدد الأصوات والاوركسترا، ولا نستخدمها إطلاقا في ميلوداته إلا كتجارب تدريبية فقط وليس في العروض الجماهيرية. وفي تقديري أن استخدام التوزيع الجديد في أغانيه الميلودية البحتة هو نوع من (الاقحام) الذي لا يقدم لساحة الغناء سوى أن الناس حينما تسمع المحاولات الجديدة ستصاب بالدهشة والاستغراب، فالقديم الجميل بتراثه وأجوائه، يظل جميلا ومختلفا حينما نردده كما ولد. القديم له رائحة خاصة وطعم خاص والجديد المتسلق عليه يظل دخيلا هجينا غير مفيد.
يعمل...
X