إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأصالة والتجريب - مسيرة سيد درويش البحر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأصالة والتجريب - مسيرة سيد درويش البحر



    مسيرة سيد درويش البحر

    أحمد علي البحيري
    الأصالة والتجريب
    إن إعادة دراسة سيد درويش من جديد، ستفيدنا كثيرا في ترتيب العديد من الأوراق الفنية ومعرفة جديدة لدور الموسيقى والابداع الحقيقي في الألحان والاغنيات، ومدى ارتباطها بسلوك وفكر الناس وتطلعاتهم وامتزاجهم بالأحداث الوطنية، وبذلك نخرج وظيفة الاغنية من دورها الترفيهي إلى دورها الانساني، وإذا عدنا قليلا إلى الوراء، وقلبنا بعض أوراق الماضي، فسنجد أن الغناء بعد أن كان حكرا على الصالونات الفاخرة والسرادقات الضحمة والقصور، أصبح فنا جماهيريا على يد سيد درويش، الذي بدأ يغني للناس وحدهم، وبدأ الناس يغنون معه، ونتيجة لذلك ظهرت الالحان الشعبية البسيطة، وألالحان المعبرة عن العمال وأرباب الحرف، وكذلك الالحان التي تعبر بامتياز عن المشاعر المتدفقة لدى الشعب، إن الغناء في الواقع قد تحول من ظاهرة الترف والطرب والرخاوة إلى ظاهرة الموضعية النابعة من وجدان الشعب وتطلعاته وأحلامه، وتصوير ما يشعر به الناس من مرارة جينما كانوا يجدون أن مصائرهم يتحكم فيها الاستعمار، وأموالهم يتحكم فيها الإقطاعيون، وبذلك تكون الأغنية التي أرسى قواعدها سيد درويش بموازاة المد القومي المنشود، بل والعمل على إشاعته وجعله شعرا للحياة والوطنية.. نقول ذلك بعد أن تغير مزاج الانسان العربي، فبدلا من تلك الأغنيات المتميعة التي تجتاح الفضائيات العربية، وبدلا من تلك الانغام ذات الأداء الرخيص بإيحاءاته ودلالالته ورموزه الغريبة، وبدلا من ذلك العري والرقص السقيم الذي تقوم عليه أغنية يصفونها بالشبابية، ما أحوجنا ونحن نتذكر سيد درويش إلى العودة إلى أغنية سليمة معافاة فيها الشجن والوطنية ومعاني الصمود وتجليات البحث عن الذات وعن الأمل والحب الجميل، أغنية تعبر عن الضوء الذي يقهر الظلام، ولنسمع ما ردده درويش يوما في الحان حية متدفقة: “الحلوة دي” و”الديك بيدن” و”شادي الالحان” وغيرها من الاعمال الأصيلة التي ما زالت مختزنة في ذاكرة الجمهور العربي من محبي الغناء الشرقي.
    لقد كانت أصالته تدفعه إلى خوض التجارب الأوبرالية بتفكير جديد مختلف عن تفكيره كملحن أغان، وساعدته في ذلك مشاهداته للاوبرات التي كانت تقدم في عصره من جانب العديد من الفرق الاجنبية، وكان يتابعها ويسمعها بعمق واحساس الفنان المتحرق إلى المعرفة، ولهذا استطاع أن يدرك الفرق الكبير بين الأغنية الميلودية واللحن المسرحي سواء من حيث التركيب أو التكامل، وظهر ذلك في العديد من مسرحياته الغنائية التي سجلت وقتها تطورا في مفهوم اللحن الموسيقي الذي امتاز بمقاطع أكثر دقة في التركيب الفني وسلامة النوت وصحة الجمل، ولكنك ستجد أن درويش ايضا يمتاز بأنه فنان مختلف في تطوير نفسه وموسيقاه حتى أصبحت لها هوية محددة خاصة، هوية كانت هي الأقرب إلى الجماهير العريضة، كما كانت أصدق في تصوير الواقع والتعبير عنه وأكثر تفاعلا مع نمط الحياة والظاهرة الاجتماعية بوجه عام، وتلحظ ذلك حتى في أغانيه الاولى في المقاهي أثناء مرحلة الابتداع والانطلاق الأول على خشبة المسرح، كما تتابع ذلك في الالحان التي صاغها على النسق المألوف، في الاغاني الميلودية وفي الموشحات ومنها “يا فؤادي ليه بتعشق”، “ياللي قوامك بيعجبني”، “أنا هويت”، “في شرع مين” وهي من مقام الزنجران المعروف، كذلك موشح “الحبيب للهجر مايل” من مقام السازكاز وفيه خرج عن الطريقة القديمة المألوفة في تلحين الأدوار من ناحية الآهات التي ترددها الجوقة وكانت غريبة على السمع المألوف، كما تلاحظ ذلك في كل القوالب القديمة التي استخدمها وحاول فيها مقاومة الألحان التقليدية الرتيبة، قافزاً من منهج فني إلى منهج آخر، فمثلا في المرحلة الميلودية من حياته الفنية خرج من أسلوب استخدام الانغام المتجاورة في المقام الواحد إلى استخدام (التوافق) بين القرار والجواب دون أي نشاز وإلى استخدام المطابقة بين اللحن والمعنى، ثم في المرحلة المسرحية سنجد أنه تخلص من موسيقى التخت واستخدم موسيقى أوركسترالية، رغم الافتقار إلى تعدد الآلآت وإلى الكورال بالمعنى العلمي الذي نعرفه اليوم.
يعمل...
X