إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فيزياء النسيان ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيزياء النسيان ..


    فيهذا الزمن المتطّور ، و مع مواكبة الإنسان للحضارة التي يفرضها التاريخ عليه ، سنجد أن هنالك فروقاً شاسعة بين الإنسان القديم البدائي والإنسان الذي غزى عصر الكمبيوتر و لغات البرمجة حتى تمكّن من خلق آلة الكترونية منقادة لكل أوامره دُون اللجوء إلى أبناء جنسه لإنهاء عملاً ما . و مع ازدهار العلوم التطبيقية بشتّى أنواعها ، أصبح الإنسان بكامل تصرفاته و طبيعته و أفعاله تحت الدراسة النظرية التي تُؤهل طلابها إلى فهم هذا المخلوق ، و كيفية نشأته ، و عن ماذا تبحث فطرته لكي يعيش بأمان ، و ما هي الأمراض التي قد تفتك بصحته و ما هي السُبل لعلاجها .

    لقد بدأ الإنسان بتطوير نفسه ، و بدأ بالولوج إلى أعماقه باستخدام تلك العلوم المتطورة التي استنتجت بواسطة عقله ، و بدأ بكتابة ما توصّل إليه حين اكتشف ، لكي يأتي من هُم بعدهِ و يسيروا على ذات النهج التطويري حتى يرتقي الإنسان بذاته ، فترتقي حياته ، و ترتقي معه الحضارات التي تُجّسد الفكر البشري المثقف في أحسن صُوره .


    سأتحدث ( جهد تحليلي من الكاتب ) هنا عن فكرة النسيان البشري من منظوري الخاص ، و ما علاقة النسيان بالفيزياء الطبيعية ، و لماذا ينسى دماغنا الكثير من الأحداث . ما هو النسيان ؟

    سنجد الكثير من التعاريف لهذه النعمة التي قد نجهل جوهرها الثمين ، النسيان باختصار هو الطريق الأمثل لمُعاودة الوقوف بعد تعّثرٍ أصابنا في حياتنا ، هو الدرب الذي يحيك الأمل في رداء أرواحنا ، هو الوسيلة التي يتّخذها الدماغ ليّمرر الراحة النفسية في أوردة صاحبه .

    تعّددت التعاريف و الفكرة واحدة ، بإمكاننا أن نلّخص معاني النسيان بشكلٍ فيزيائي بأنه “حالة طبيعية تُصيب الإنسان و تُفقده بعض البيانات العقلية بشكلٍ مُؤقت حتّى يأتي المسّبب ليُعيد البيانات إليه ” .

    هذا المسّبب قد يكون موقف مُشابه للحالة التي تمّ نسيانها ، أو شخصية تُحاول استرداد البيانات المنسيّة مع من نساها ، و ما إلى ذلك من مسّببات قد تُعيد وعاء البيانات للدماغ من جديد بعد تلاشي الكثير من ملامحها لدى صاحبها .

    فيزيائياً ، إذا كنّا نملك وعاء له حجم معيّن ، و بدأنا بسكب الماء به حتى يمتلئ تماماً ، سنجد مع آخر قطرة تمّ وضعها بأن هذه هي ( الكميّة الأقصى ) التي يستوعبها هذا الوعاء ، بمعنى آخر ، إذا تمّ إضافة أيَّ كميّة أخرى ستبدأ بالخروج من الوعاء من تلقاء نفسها في عملية تُسمّى بالإزاحة .

    في المقابل ، أرى أن الدماغ البشري يسير على هذه الصورة تماماً ، إذ أنه يستقي الكثير من البيانات بطبيعته التحليلية العصبية ، و مع ازدياد عُمر هذا الإنسان ، يبدأ الدماغ بفقد الكثير من مساحته التي كان يتمتع بها بشبابه و سيُصبح معّرض للنسيان ، هذا النسيان قد يأتي من زخم الأحداث التي يحملها دماغ هذا الشخص و ربما يأتي من مرض أحّل به أو ضربة أخّلت بوظائفه الطبيعية في المخلوق البشري .

    إذاً ، نستطيع – افتراضاً – أن نصنع بيئة نسيان طبيعية و مجهّزة بالكامل لخلق إزاحة في هذا الدماغ البشري ، بإمكاننا أن نتطوّر مستقبلاً لأن نصنع إزاحة جزئية طبيعية لبعض المشاهد المكتسبة لدى أدمغتنا ( أي صناعة نسيان متعّمد للفكر البشري ) ، لكن السؤال الأصعب يفرض نفسه الآن : كيف نربط ما بين النسيان و الإزاحة الجزئية بالطبيعة البشرية دون تدّخل الطب أو أي عوامل أخرى ؟

    نحن نعلم بأن زيادة الأحداث و المواقف تُشغل الدماغ البشري برصدها دون أن يلجأ لقراءة الوقائع السابق حفظها في هذا الدماغ ، و بناءً على الكلام السابق بإمكاننا أن نخلق فرضية تنص على : ” كلّما ازداد انشغال الدماغ البشري بما حوله بشكل أكبر كلّما تناسى النظر إلى ما رُصد بالسابق ” . ومن هذه الفرضية أستطيع أن أقول بأننا سنصبح قادرون على النسيان كلّما خلقنا بيئة أكبر لدماغنا ، و وفقاً لقوانين الفيزياء ، أستطيع أن أشّبه ما يحدث بسكب المزيد من المياه على خزّان معبئ بالكامل ( 1 ) ، و عملي هذا يُؤكد خروج نسبة كبيرة من المياه المحفوظة به ، و لكني أواجه مشكلة جديدة في الخطوة السابقة ، كيف سأتمكّن من معرفة نوع المادة المُزاحة للخارج ؟ هل هي الباقية مُنذ زمن في هذا الوعاء أم أنها الجديدة ؟

    و للإجابة على السؤال السابق ، سأكون ممتناً لقوانين الطبيعة التي أوجدت الصدأ و التآكل و التي ستساعدني في فرض إثبات قد يكون صحيحاً لأجيب على ما طُرح سابقاً ، الصدأ عبارة عن تلاشي طبيعي يصيب الحديد مثلاً و يبدأ بالتزايد كلما توفرت له البيئة المساعدة كالرطوبة و نوعية السطح و ما إلى ذلك حتى يتلاشى ذلك الحديد تماماً .

    سأقيس على هذا المثال ما يحصل للدماغ حين أشّبه المواقف البشرية بالحديد ، و أشبه بيئته المساعدة بمرض الإنسان الحامل لهذا الدماغ ، و لنقوم باستبدال كلمة صدأ ( بالنسيان ) ليُصبح نص الفكرة كالآتي : النسيان عبارة عن تلاشي طبيعي يصيب المواقف البشرية و يبدأ بالتزايد كلما مرض الإنسان حتى يتلاشى هذا الموقف البشري تماماً !

    لنفترض بأن النظرية السابقة تنطبق تماماً على المواقف التي نمر بها كبشر ، هذا يعني أن طبيعة نسياننا تتم بشكلٍ تصاعدي ( ننسى المواقف الأقدم فالأحدث ) ، ومن هذه الطبيعة أستنتج بأن المواد التي ستُزاح في الخزان المعبئ بالماء بالمثال ( 1 ) هي المواد الأقدم أولاً و ذلك لأنها الأقرب للتلاشي من غيرها من المواد الحديثة في وعاء دماغنا الطبيعي .

    و من جميع الفرضيات المطروحة نستنتج بأن النسيان كميّة متجهة تملك اتجاه و قيمة محددة تختلف من شخص لآخر ، ربما يحمل الإنسان الأول دماغاً بإمكانه أن يرصد كافة أحداث حياته الطويلة دون أن يتعرض للتلاشي التام ، و ربما يُصاب البعض بقلّة خزانه المعلوماتي مما يُؤدي إلى نسيانه السريع لما دار من حوله ، و لهذا أنصح الجميع بالإبتعاد عن المثبطات التي تؤرق عمل الدماغ ، للإستزدة حول صحة الدماغ البشري شاهد هذا الفيديو المفيد بردي التالي : Good Brain foods .




    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
    ولاتؤاخذني بما يقولون
    واغفر لي مالا يعلمون
يعمل...
X