إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ساطع الحصري ونظريته في القومية العربية - والعوامل المباشرة وغير المباشرة التي تتكون منها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ساطع الحصري ونظريته في القومية العربية - والعوامل المباشرة وغير المباشرة التي تتكون منها

    ساطع الحصري ونظريته في القومية العربية


    ركزت معظم كتابات ساطع الحصري على موضوع القومية العربية فكراً وممارسة، إذ قلما نجد كتاباً من كتبه لم يتناول هذا الموضوع إن لم يكن موضوعه الأساسي، وهكذا دارت جل كتابات ساطع الحصري حول شرح نظريته في «القومية العربية» و«الأمة العربية» والتصدي لمعارضيها من العرب وغيرهم. وقد قام الحصري بدراسات وافية حول الفكر القومي عند مختلف الشعوب، ودرس النظريات القومية لديها، كما درس النظريات المعادية للفكر القومي بغية تفكيكها وهزيمتها نظرياً تمهيداً لإقرار نظريته في الأمة العربية.
    وكان الحصري من المؤمنين إيماناً قطعياً بوحدة الأمة العربية وإشراق شمسها، وكان يقول عن ذلك: «أنا أعتقد أن وحدة التاريخ واللغة ستعمل عملها في العالم العربي حتماً، وستتطور الأمور من جراء ذلك تطوراً ينتهي إلى اتحاد الأقطار العربية عاجلاً أو آجلاً».


    ساطع الحصري


    أعجب الحصري بالمفكر الألماني فيخته القائل بأن اللغة هي أساس القومية، مستمداً الدليل على نظريته من أمثلة تعود لقيام الوحدة الألمانية بعد التجزئة، وقيام الوحدة الإيطالية، والبولونية وغيرها الكثير. كما علل انحلال الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية باختلاف لغات الشعوب التي كانت تابعة لكل منهما. يؤكد الحصري أن العامل الثاني للقومية يكمن «في وحدة التاريخ لا في وحدة الأصل». وأكد الحصري في مؤلفاته العديدة أن هذين العاملين (اللغة والتاريخ) هما المرتكز الرئيسي للقومية العربية ووحدة الأمة العربية.
    انطلق الحصري في نظريته من مجموعة من التعريفات، استعملها لمناقشة العوامل المباشرة وغير المباشرة لتكون قومية ما، وتتضمن نظريته تعريفات لمفاهيم مثل الوطن، الوطنية، الأمة، القومية.
    فالوطن – حسب الحصري – هو قطعة من الأرض، أما الوطنية فهي ارتباط الفرد بقطعة من الأرض تعرف باسم الوطن. والأمة هي جماعة من البشر، أما القومية فهي ارتباط الفرد بجماعة من البشر تعرف باسم الأمة.
    فالقومية كما يراها الحصري هي السمة الطبيعية العريقة للإنسان والمجتمعات الإنسانية، والتطور الكامل للقومية يحول الشعب بالضرورة إلى أمة، والأمة إلى دولة واحدة. والهدف الأخير للقومية يتلخص في تحقيق الوحدة القومية واكتمال الشخصية السياسية بحيث تتطابق الحدود والدولة مع الحدود القومية، وفي هذه الحالة لا تتناقض الوطنية (الولاء للوطن) مع القومية (الولاء للأمة)، أما إذا كانت الأمة مجزأة إلى أكثر من دولة، فتصبح الوطنية موضوع خلاف بين القوميين (الذين يريدون وحدة الأمة)، والوطنيين (الذين يريدون بقاءها مجزأة)، ما يتسبب بانقسام الأمة وهو ما يتناقض مع الشخصية السياسية الكاملة: أمة واحدة في دولة واحدة.
    العوامل المباشرة التي تتكون منها القومية:
    بحث الحصري في العوامل المباشرة التي تتكون منها القومية، وقد اختار عاملين عدهما أساسيين هما:

    1- اللغة المشتركة:
    اللغة روح الأمة وحياتها، فالأمة تقوم على أساس موضوعي هو اللغة، ولما كانت الأمة تحدد بلغتها، فهي تشمل جميع الناطقين بهذه اللغة.

    وينبع اهتمام الحصري باللغة من اهتمامه بالعوامل الناشئة عن الاجتماع البشري، فيعد اللغة محور العوامل النفسية والاجتماعية والمعبر عنها، فالإنسان يمتاز عن الحيوان بالنطق، ويتميز الإنسان من الإنسان باللغة التي هي وليدة الاجتماع البشري، وعامل من عوامله أيضاً، أي أن هناك علاقة جدلية بين اللغة والمجتمع، تؤثر في فكر الفرد وعواطفه معاً وتخلق نوعاً من التوحيد بينه وبين المجتمع.
    وربما جاءت هذه الفكرة لدى الحصري من تجربته في البلقان، حيث أدرك أن ما يفصل العرب والأتراك واليونان والبلغار عن بعضهم ليس الدين – فمعظمهم كانوا مسلمين – بل أصولهم اللغوية والثقافية المختلفة، واستخلص من قتال شعوب البلقان بين بعضها أن فوارق اللغة والثقافة أعمق بين الأمم من فوارق الدين.
    2- التاريخ:
    يعرف الحصري التاريخ بأنه شعور الأمة وذاكرتها، وإذا ما نسيت أمة تاريخها، فإنها تخسر شعورها ووعيها لذاتها، وهي لن تستعيد وعيها القومي إلا بالعودة إلى تاريخها.


    ساطع الحصري على طابع بريد عراقي


    ويميز الحصري بين التاريخ بوصفه وقائع وأحداثاً وبين التاريخ الحي في النفوس والعقول، والنوع الثاني هو الذي تتذكره الأمة وهو الذي يمثل أمجاد الماضي ويخلق الأمل للمستقبل. والتاريخ المشترك أمر مهم، ولكن ليس المقصود بالوحدة التاريخية لمجموع الأمة هو الوحدة التامة في جميع أدوار التاريخ، وإنما الوحدة النسبية والغالبة التي تتجلى في أهم صفحات هذا التاريخ، ما يؤدي بالضرورة إلى نسيان قسم من وقائع التاريخ التي لا تشترك فيها الأمة جميعاً. يقول الحصري في هذا المجال: «فنحن لسنا سجناء ماضينا، إلا إذا أردنا ذلك، وعلى كل أمة أن تنسى جزءاً من تاريخها، ولا تتذكر فيه إلا ما تجد فيه نفعاً لها».
    هكذا وجد الحصري أن وحدة اللغة ووحدة التاريخ هما أس الأساس في تكوين أمة ما، ويقول في ذلك: «لأن الوحدة في هذين الميدانين هي التي تؤدي إلى وحدة المشاعر والمنازع ووحدة الآلام والآمال ووحدة الثقافة، وبذلك كله تجعل الناس يشعرون بأنهم أمة واحدة متميزة عن الأمم الأخرى»، ويستطرد قائلاً: «الأمة التي تنسى تاريخها، تكون قد فقدت شعورها، وأصبحت في حالة الثبات، وإن لم تفقد الحياة، وتستطيع هذه الأمة أن تستعيد وعيها وشعورها بالعودة إلى تاريخها القومي والاهتمام به اهتماماً فعلياً، ولكنها إذا ما فقدت لغتها، تكون عندئذ قد فقدت الحياة ودخلت في عداد الأموات فلا يبقى سبيل إلى عودتها إلى الحياة فضلاً عن استعادتها الوعي والشعور».
    العوامل غير المباشرة في تكوين القومية:
    اعتبر الحصري أن العوامل الأساسية التي تربط الأمة هي روابط روحية وفكرية لا مادية، فلم يعلق إلا أهمية ثانوية على العوامل المادية التي رأى أنها لا تؤثر في تشكل القومية بصورة مباشرة، وإنما تؤثر على العاملين الآخرين (أي اللغة والدين)، والعوامل التي تناولها الحصري بالنقد والتحليل ورأى أنها ثانوية هي:

    1- المصالح الاقتصادية:
    رغم إدراك الحصري لأهمية المصالح الاقتصادية في حياة الأفراد والجماعات، فهو يرى أنها ليست من العناصر المشكلة للقومية، بل إنها قد تسير في اتجاه معاكس للوحدة القومية، فالأحاسيس القومية هو نوع من العواطف يسمو فوق الحسابات النفعية، ويقول عن ذلك: «فلو عمل الناس بمسائل المنفعة دون أن يلتفتوا إلى الأمور العاطفية والمعنوية لتفككت جميع الروابط الاجتماعية من العائلية إلى القومية، ولانحطت البشرية إلى مرتبة دون مرتبة البهائم».

    وهكذا يبدو رفض الحصري القاطع للاقتصاد كعامل مكون للقومية، وبرأيه أن الحياة الاقتصادية تتيسر عادة بعد تكوين الدولة القومية، لذا يجب أن تعد من نتائج تكون الأمة واستقلالها لا من عوامل تكوينها.
    2- الأصل المشترك:
    يرفض الحصري أيضاً نظرية الأصل المشترك (أي الوحدة العرقية للأمة)، لأنه يتناقض مع الحقيقة العلمية والتاريخية، فليس هناك من أمة تستطيع أن تدعي النقاء العرقي. بل كانت فكرة وحدة الأصل تثير القلق لدى الحصري لأنها الأساس الفكري الذي ساعد على قيام الأنظمة الفاشية في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين.

    3- الإرادة المشتركة:
    وهنا يخالف الحصري النظرية الفرنسية التي تقول أن الأمة هي جماعة تريد أن تكون أمة، فالإرادة ليست سبباً، بل هي – حسب الحصري – نتيجة تنبع من القومية.

    4-الدين:
    لا ينكر الحصري تأثير الدين في المشاعر الإنسانية، فالدين أصيل في طبيعة النفس البشرية، ويشغل الجانب الأكبر من حياة الإنسان الروحية، لكن الأديان الرئيسية (وخصوصاً منها السماوية)، هي في حقيقتها أديان عالمية، أي أنها لا تقتصر على شعب بذاته، وبذلك يرى الحصري أن الدين لا يمكن أن يشكل أساساً للقومية، وهذا بدوره ينزع من المستعمرين إمكانية اللعب بسلاح الطائفية.
يعمل...
X