إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ساطع الحصري رائد القومية العربية - مفكراً ومربياً حياته ونشأته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ساطع الحصري رائد القومية العربية - مفكراً ومربياً حياته ونشأته

    ساطع الحصري



    المحتويات


    يعتبر ساطع الحصري (الملقب أبو خلدون) أهم منظري القومية العربية الذين أرسوا دعائم نظريتها حتى اعتبر «فيلسوف» القومية العربية، فعلى مدى ما يقارب القرن، حمل ساطع الحصري الشاب والكهل والعجوز لواء القومية العربية فكراً وممارسة من مُدخل التربية والتعليم والعمل الفكري والتنظيري، فأسس لنظم تعليم متقدم وألف المناهج المدرسية والجامعية، ناهيك عن عدد كبير من المؤلفات والكتب التي تناولت القومية العربية من جوانبها المتعددة السياسية والاجتماعية والفكرية والنضالية، بحيث أطلق عليه لقب «رائد الوحدة الثقافية العربية».


    مولده وأسرته


    ولد ساطع الحصري عام 1880م في صنعاء عاصمة اليمن من أبويين سوريين قدما من حلب. وكان والده، محمد هلال الحصري، رئيساً لمحكمة الاستئناف في صنعاء، أما والدته فهي فاطمة بنت عبد الرحمن الحنيفي. وتعود أسرة ساطع الحصري إلى أصول حجازية، وكانت الأسرة قد انتقلت إلى حلب عام 1472م – أي قبل دخول العثمانيين إليها، وفي حلب تلقى والده العلوم الشرعية، وأتم المرحلة الجامعية في الجامع الأزهر بالقاهرة، ثم عين بعد تخرجه قاضياً شرعياً في دير الزور، ثم حماة، قبل أن ينقل إلى صنعاء رئيساً لمحكمة الاستئناف فيها. وقد تنقل الأب بعد ذلك في أرجاء الإمبراطورية العثمانية، فعمل قاضياً في أضنة، ثم في أنقرة، فإلى طرابلس الغرب في ليبيا، ثم أُعيد ثانية إلى اليمن، فإلى قونية في تركيا فثانية إلى طرابلس الغرب.

    نشأته وحياته


    تنقل ساطع الحصري مع أسرته بين عدة مدن تركية وعربية، وعندما انتقلت وظيفة القاضي الحصري إلى طرابلس الغرب للمرة الثانية سنة 1893م، كان ساطع الذي أتم الدراسة الابتدائية النظامية، قد استطاع بجهده الشخصي واجتهاده الشديد، الانتساب إلى القسم الإعدادي في المدرسة الملكية الشاهانية في الآستانة، فتركته الأسرة المسافرة إلى ليبيا تلميذاً داخلياً في هذه المدرسة، ولكن ساطع لم يكن يرضى لنفسه الاكتفاء بالمحاضرات النظامية التي تلقى عليه، وبالكتب المحددة المطلوبة منه. فقد كان شديد الرغبة بالمعرفة والتقصي، محباً للدراسة والتحصيل، مولعاً بالعلوم الرياضية، مندفعاً وراء كشف دقائقها، فأخذ يلتهم كل ما تقع عليه يده من كتب ومجلات يبحث فيها، مستعيراً من أصدقائه طلاب مدرستي الهندسة والأركان الكتب المقررة عليهم، وبدأ يُعرف بقدرته على حل الصعب من مسائل الرياضيات العالية، فأطلق عليه رفاقه اسم «آرشيمد» (أرخميدس)، واشتهر بهذا الاسم مدة طويلة من الزمن، كما أولع بالعلوم الطبيعية واستهواه تشريح الحيوانات وتحنيطها. وهكذا استطاع ساطع الحصري أن يكمل دراسته العالية في المدرسة الملكية الشاهانية في اسطنبول سنة 1900م بتفوق ملحوظ. ولم يقتصر اهتمام الحصري على العلوم الرياضية والطبيعية والزراعة بل اهتم أيضاً بالعلوم السياسية والحقوقية والنفسية والتربوية والاجتماعية، حتى تخرج حاصلاً على إجازة في العلوم السياسية والإدارية عام 1900م. وكان من أقرانه في ذلك الوقت الزعيمان العربيان السوريان إحسان الجابري وسعد الله الجابري وهما من حلب مثله، وكانا يعيشان معه في تركيا في بيت واحد تحت سقف واحد، فقد كانا وإياه أبناء خالة.

    ساطع الحصري


    بدأ ساطع الحصري حياته العملية موظفاً في بلاد البلقان، التي تنقل فيها حتى عام 1908م، واطلع على أحوالها التربوية والاجتماعية والسياسية، ودرس حركاتها القومية الناشطة آنذاك. بدأ بالتدريس في ثانوية يانيا الواقعة على الحدود بين اليونان وألبانيا سنة 1901م ومكث فيها خمسة أعوام. استقر بعد ذلك في اسطنبول ليعمل أستاذاً للتربية في دار الفنون، ثم عهد إليه بمركز مدير إدارة مدرسة دار المعلمين، وهي إحدى أهم معاهد استنبول وقتها. وكانت منطلقه الذي استهل منه نشاطه في عالم الفكر والتربية.
    وخلال فترة تدريسه في المدارس المذكورة، ألف ساطع الحصري عدداً من الكتب المدرسية في العلوم الطبيعية، لعل من أبرزها: «دروس الأشياء»، «معلومات زراعية»، «علم النبات»، «التطبيقات الزراعية». وقد قررت وزارة المعارف العثمانية تدريس مؤلفات ساطع الحصري في مدارسها ومعاهدها الرسمية. وقد انصب هدف ساطع الحصري خلال هذه المرحلة من حياته على مسألتين: الأولى تبسيط العلوم وتحبيب الناس بها، والثانية إدخال علم النفس وعلم التربية إلى دار المعلمين في اسطنبول، وقد بلغ نشاطه في هذا المجال مبلغاً جعل القائمين على التربية هناك يلقبونه «أبو علم التربية التركي».
    أسس الحصري مجلة «أنوار العلوم»، وهي مجلة علمية، كما أصدر مجلة تربوية باللغة التركية باسم «تدريسات ابتدائية»، والتي كانت توزع على جميع المدارس الحكومية الموجودة في الولايات العثمانية. كما عقد ساطع الحصري عدة مؤتمرات تربوية للمعلمين ومديري المدارس لمناقشة مختلف أمور التربية والتعليم.
    احتل ساطع الحصري بما قام به من تبديل في نظم التربية والتعليم، وبما نشره من مؤلفات ومقالات، مكانة عالية في الدولة العثمانية، وتمتع بمركز مرموق. فقد انتخب عضواً في «جمعية المطبوعات العثمانية» منذ يوم تأسيسها، وكان رئيساً لمؤتمر المطبوعات، وتعتبر هذه الوظيفة من آخر المراكز التي تبوأها ساطع الحصري في العهد العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918. وكان ساطع الحصري من موقعه في إطار الدولة العثمانية منخرطاً في سلك جمعية «الاتحاد والترقي»، والحزب التركي الطوراني الذي حمل راية التتريك ضد العرب، وقد نشر عدة مقالات في الدعوة إلى الطورانية والتتريك في مجلة «تورك أوجاني» بتوقيع: م ساطع (أي مصطفى ساطع)، ولكنه في لحظة ما انقلب من موقفه الطوراني ليحمل راية القومية العربية وليجعل من نفسه منظراً لها، رغم لمسة الرطانة في لغته العربية. رغم أن الكثيرين من أصدقائه الأتراك حثوه على البقاء في تركيا للاستفادة من علمه ونشاطه، وعن ذلك قال: «أنا عربي، وعندما انفصل العرب عن الإمبراطورية العثمانية، لم يكن لي خيار سوى الانضمام إليهم».

    بعد استقلال سورية عن تركيا وتولي الأمير فيصل الحكم فيها، انتقل ساطع الحصري بأسرته إلى دمشق قادماً من القاهرة عام 1919 ليتولى شؤون التربية فيها، فعينته الحكومة الوليدة مفتشاً عاماً للمعارف ثم مديراً عاماً للمعارف في سورية، ويوم أعلن المؤتمر السوري استقلال سورية وتُوج فيصل بن الحسين ملكاً على سورية بتاريخ 8 آذار1920، وقامت أول حكومة عربية دستورية، تم اختيار الحصري وزيراً للمعارف فيها، كما أصدر مجلة باسم «التربية والتعليم» نشر فيها عدة مقالات تربوية ووطنية.
    لازم ساطع الحصري الملك فيصل وعمل معه على بناء أول حكومة عربية أتت كنتيجة للثورة العربية الكبرى، وكان شاهداً على مخططات الاستعمار في تقسيم المنطقة وسقوط الدولة العربية الوليدة. وكان قد شهد من خلال موقعه في الحكم الوطني معركة ميسلون بكل تفاصيلها، خاصة وأن الوزارة كانت قد عهدت إليه بالتفاوض مع الجنرال غورو عقب تقدم جيوشه الغازية نحو سفوح قاسيون، وقد ألف الحصري كتاباً عن شهادته لموقعة ميسلون واستشهاد يوسف العظمة. على إثر ذلك وبعد أن احتل الفرنسيون دمشق، غادر الحصري سورية مع مليكها المبعد عن العرش فيصل الأول، مرافقاً له في رحلاته بين العواصم الأوروبية، ثم لجأ إلى مصر عام 1920م وأقام فيها قرابة عام، انصرف خلالها إلى الأعمال التربوية والتعليمية.
    في عام 1921 اتفق ساطع الحصري مع الملك فيصل على الإشراف على العملية التربوية في العراق فرحل إليه وأقام فيه حتى عام 1941م، حيث قام بوضع خطط لإصلاح النظام التعليمي في العراق وأشرف على تطبيقها، وتقلد هناك العديد من المناصب التربوية، أهمها معاون وزير المعارف، ومدير المعارف العام حتى تموز 1927، وأستاذ علم التربية في دار المعلمين العالية في بغداد، ومراقب التعليم العام، وعميد كلية الحقوق ومدير الآثار القديمة، ومراقب التربية والتدريس العام، وأخيراً مدير الآثار العامة. وكان يسعى من خلال مناصبه لخلق سياسة تعليمية قومية وعصرية. وقد لاقت تلك الخطط مقاومة عنيفة من الإنكليز والمتعاونين معهم، ونجح هؤلاء في إقناع الأمير عبد الإله الوصي على الملك فيصل الثاني بخطره، فأسقط عن الحصري الجنسية العراقية وأمر بإخراجه من العراق في 21 حزيران 1941، فتركه الحصري ميمماً صوب لبنان الذي استقر فيه حتى العام 1943 متفرغاً للكتابة والتأليف والنشر.
    في العام 1944 دعته الحكومة السورية للعمل مستشاراً فنياً للمعارف مدة ثلاث سنوات، حيث قام بدراسة نظام التعليم فيها بغية إصلاحه، وعمل على هيكلة وزارة المعارف. وفي العام 1945م انتخبه مجمع اللغة العربية في دمشق عضواً تقديراً لمكانته العلمية واعترافاً بما أداه للغة العربية من خدمات.
    ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة فعاش فيها عشرين عاماً، بعد أن دعته وزارة المعارف المصرية سنة 1947 ليعمل أستاذاً في معهد التعليم العالي في القاهرة، وكلفته بمنصب المستشار الفني للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية عام 1948، وأسس عام 1949 متحفاً للثقافة العربية بالقاهرة، ثم استلم إدارة معهد الدراسات العربية العالية الذي قررت جامعة الدول العربية بمساعيه افتتاحه في القاهرة ونجح في ذلك سنة 1953، كما عُين فيه أستاذاً للقومية العربية، إلا أنه لم يستطع تطبيق جميع ما يدين به من آراء، فاستقال وتفرغ للبحث والتأليف.
    وفي سنة 1965 أعيدت إليه الجنسية العراقية فعاد إلى بغداد ليعيش فيها ثلاث سنوات، يكتب ويؤلف وينشر، حتى وافته المنية عام 1968م عن ثمانية وثمانين عاماً.
يعمل...
X