إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في الفنجان المقلوب البحث عن المجهول .. حكايا وخفايا ترسمها القهوة في جوفه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في الفنجان المقلوب البحث عن المجهول .. حكايا وخفايا ترسمها القهوة في جوفه


    البحث عن المجهول في الفنجان المقلوب
    حكايا وخفايا ترسمها القهوة في جوفه

    "جلسَتْ والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب...
    قالت يا ولدي لا تحزن... فالحب عليك هو المكتوب"
    كتب فيها الشاعر نزار قباني قصيدته الشهيرة، وغناها عبد الحليم حافظ، وحفظها الناس عن ظهر قلب... قارئة الفنجان، شخصية محيّرة وغامضة وشفّافة في الوقت نفسه، لها قدرات خاصة في الإيحاء والسيطرة على مشاعر الناس، تعلم ما يخبئه المستقبل، تكتشف من خلال الرسوم الظاهرة على جوانب الفنجان عدداً من الجوانب النفسية عن أحوال مرتشفه وسير أمور حياته أيضاً... نزار رحل... وعبد الحليم أيضاً... لكن قارئة الفنجان لا تزال تمارس مهنتها وتقلب فنجانها كل يوم لمن يطرق بابها باحثاً عن المجهول وما تخفيه الأيام المقبلة.
    "أم محمد"، أشهر من أن يُعرّف بها... فهي تعرف ما خفي عن الجميع بنظرة واحدة إلى فنجان، ربما يكون قد امتص ما بداخل حامله من هموم ليظهرها رسوماً وطلاسم تستطيع من خلالها التنبؤ بكل التفاصيل... فهنا طريق مسدود وهناك طريق عريض يعترضك فيه عقرب... "أنظري هنا إلى الهرّ إنه شخص سيء"، في المقابل هناك شجرة ستكون بداية مشروع يعود بالتأثير الجيد على حياتك المادية...
    ثمة حكايا وأقاويل متناقضة داخل متاهات عالم الفنجان، وجدت طريقها بكل يسر إلى قلب "هناء"، واستأثرت بعبراتها، كما هي حال العديد من قلوب الشباب ولا سيما منهم الشابات، هذه الفتاة الباحثة عن فسحة من التفاؤل وسط عتمة ذهولها من القدرات "الخارقة"، التي أصبحت ملاذها الوحيد عبر جرعات وهمية من الأمل المؤجّل، تفوّهت بها "أم محمد" حين رمقت فنجانها بنظرة سحرية! وأوحت لها بكامل قدرتها على فك رموز تكوّرت في أسفله من بقايا البن المرتشف!
    لا تعتبر قراءة الفنجان ظاهرة جديدة أو تقليعة غريبة على مجتمعاتنا العربية، إذ إنها عرفت منذ القِدم، ولا يزال الناس يقبلون عليها مهما اختلفت خلفياتهم الاجتماعية والتعليمية. وعلى رغم إيمان كثيرين بأن هذه الأمور من المحرّمات، فإن البحث عن المجهول والرغبة في معرفة المستقبل، يدفع بهم إلى ممتهني التبصير وفك رموز الفنجان، فهل هناك أشخاص يستطيعون بالفعل معرفة المستقبل؟ "أم محمد" تملك الجواب اليقين...
    بدت الدهشة واضحة على وجوه الحاضرات عندما دخلت "أم محمد" إلى إحدى "الصبحيات"، وبدأت النظر إلى عيونهن، واصفة ما لديهن من هموم ومتاعب، مع أنها لا تعرف شيئاً عنهن... تصف لمحات الحزن التي تظهر على عيني إحداهن التي تعرّضت للطلاق مؤخراً، مؤكدة أنها شخصية قوية ولكنها تحب تقمّص دور الضحية.
    ثم نظرت إلى الأخرى مؤكدة لها أنها شخصية قوية ومتسامحة... أما الثالثة فلم تتمكن من رؤية أي شيء في عينيها الغامضتين اللتين يصعب على المرء فهم ما تخبئانه من أسرار، بينما قالت للرابعة إن الناس يفهمونها بشكل خاطئ، وهي لا تظهر حقيقة مشاعرها... "وفنجان كل واحدة منكن سيثبت ما أقوله"...
    "الفنجان" وأحلام الفتيات
    كثيرة هي الأحلام والأمنيات التي تداعب الفتيات وتستأثر بقلوبهن، التي تترقب بشغف لحظة تحقيقها، وأبرزها موعد هبوط "فارس الأحلام"، ذلك العريس المؤجّل الذي طالما كانت عنه مع فنجان القهوة، حكايا كثيرة لا تعرف الملل، بينها حكاية "روى" التي قالت: "الخوف من المستقبل هو الهاجس الذي يؤرق تفكير غالبية الفتيات اليوم، ويوجّه أفكارهن وعقولهن إلى التشبّث بكلام قارئة الفنجان، حيث بات الكثير منا يخشى أن يمضي بهن قطار العمر مسرعاً من دون العثور على فرصة الزواج، والاضطرار إلى الركون في محطة "العنوسة"، ولا أخفي ثقتنا وذهولنا كفتيات من كلام العرّافة، حين تروي أشياء كثيرة عن أمور حدثت لنا بالفعل في السابق". ففي إحدى المرات تؤكد "روى" حين "قرأت فنجاني بصّارة كانت تسكن في الجوار، أكدت لي أن هناك شاباً في الكلية نفسها التي أتلقى علومي فيها سيتقدم لخطبتي، وحين يفاتح أهله بالموضوع سيلاقي معارضة شديدة ورفضاً مطلقاً". وبالفعل تضيف: "كنت في حينها أنتظر زميلاً لي في مرحلتي الدراسية نفسها حيث كنا متحابين من شهور عديدة، غير أنه فجأة ومن دون سابق إنذار، قرّر تأجيل موضوع ارتباطنا الرسمي، وحين سألته عن السبب علّله قائلاً بوجود رفض شديد من والده الذي كان يصرّ على تزويجه من ابنة عمّه!".
    غير أن "إيمان"، أصرّت على أن قراءة الفنجان هي أشبه بالسراب، والمقبل عليه كالظمآن والمتلهف لرشفة ماء، بقولها: "كل ما في الحياة هو تحصيل حاصل وقدر مكتوب، وليس من المعقول والمنطقي أن تكون مفاتيح حل المشاكل والأزمات النفسية التي أوجدت الكثير منها الظروف الاستثنائية التي تمرّ على الإنسان، يكون حلّها بهراء يطلقه السحرة والعرّافون الذين كذبوا وإن صدقوا. فالرموز عند قارئة الفنجان لا تتبدّل، والأحداث العامة قد تتشابه عند كل الفتيات وتتلاقى في قصص الحب والهجران والغيرة والضياع... فكيف لطحل القهوة أن يرسم مثلاً الحصان الذي يفرج الأسارير ويقوّي دقات القلب، والحصان هو العريس المنتظر؟"؟
    لذلك، تعتبر "أن أحلام القهوة لا تتعدى أكثر من كونها تخديراً موضعياً وموقتاً، لصرف أذهان الشباب وإشغال عقولهم عن مواجهة الواقع وعقلانيته".
    أما "ميساء" فترى أن قراءة الفنجان "عادة مستهجنة ومرفوضة لدى جميع المذاهب والأديان التي تتخذ من كتبها السماوية المقدسة دستوراً لتنظيم حياتنا، فكيف لإنسان عاقل أن يعتقد بالفنجان ودينه يرفضه؟".
    فنجان تقلبه "أم محمد"
    بالعودة إلى "أم محمد" التي روت تجربتها مع صديقها الصدوق الفنجان، قالت: "لم أتمكن من إيجاد طريقة ثابتة لضمان مصدر دخل لي، عملت مسؤولة أمن ومزيّنة نساء وعاملة منزلية وكل ما يخطر بالبال، ولكني لم أجد إلا قراءة الفنجان وسيلة فتحت لي كل أبواب الرزق، وأعطتني أكثر من حاجتي. كنت دائماً أدعو الله ألاّ يجعلها وسيلة رزق، وفي كل مرة كانت تتزايد عليّ الطلبات، حتى سلّمت أن هذا العمل مقدّر لي".
    وتؤكد أنها لا تعلم الغيب ولا تعرف ماذا يمكن أن يحدث لها في المستقبل، فكيف تعرف ماذا سيحدث لصاحب الفنجان؟ لكنها تصرّ على أن الكشف بالفنجان يحمل الكثير من الحقائق وفيه شفافية وروحانية وأمور أخرى كثيرة، وشبّهته بالعلاج النفسي والطبيب النفساني، مشيرة إلى الأسباب التي تدفع الناس إلى قراءة الفنجان بقولها: "اكتشفت من خلال عملي في قراءة الفنجان، أن الناس في حاجة إلى تفريغ ما لديهم من أفكار وهموم، والكلام بصدق مع شخص لا يضرّهم ولا يحكم عليهم، إنّهم في حاجة إلى أي بصيص من الأمل أو أي أمر جديد يرفّه عنهم ويبعدهم عن الروتين الموجود في حياتهم اليومية".
    ولفتت إلى أن الفنجان تظهر فيه رسوم وعلامات مختلفة كالرسوم الهندسية الدقيقة أو العبارات الفرعونية، وفي كثير من الأحيان تظهر أسماء مكتوبة بوضوح، ولها علاقة بصاحب الفنجان. ولكن كل بصّارة تقرأ بطريقة مختلفة... "أمسك أي خط يظهر في الفنجان وأمشي عليه وأبدأ بسؤال صاحبه هل ما أقول صحيح أم لا، عندما يكون صحيحاً، وعندما أجد تفاعلاً مع الشخص الذي أمامي، أستطيع أن أغوص أكثر في الفنجان وأرى أشياء أكثر وضوحاً". ولكنها حذرت من أن كثيرات من البصّارات يتاجرن بهذا العمل ولا يحكمن ضمائرهن، فيخربن البيوت ويفتعلن المشاكل بين الناس.
    وتعرّضت "أم محمد" لبعض المشاكل، خصوصاً من الأشخاص الذين يعتمدون قراءة الطالع في كل أمور حياتهم، إذ يمكن أن يعودوا إليها ويهاجموها بأنها كاذبة ودجّالة. وتتذكر أحد المواقف المتعبة والطريفة في آن واحد، كما قالت: "في إحدى المرات كنت أقرأ لسيدة تؤمن كثيراً بقراءة الفنجان، وتعتمد عليها في الكثير من القرارات... أخبرتها أنها ستسمع خبر وصال بعد نقطتين... وبعد مرور يومين، اتصلت بي لتنهال علي بالسباب وتنعتني بالدجل والكذب... وبعد أسبوعين عاودت الاتصال لتقول إن الوصال حصل، فالنقطتان تعنيان أسبوعين"... "تصادفني حالات كثيرة كهذه، فالنقطة يمكن أن تعني ساعة أو يوماً أو شهراً أو سنة. وكل شخص يفهمها كما يريد، وأنا أقول ما أرى ولكن الله أعلم".
    وبيّنت أن معظم زبائنها من الشباب، ولا سيما منهم الشابات، ومن مختلف الشرائح، فيقصدها الغني والفقير طلباً للقراءة، ومؤخراً بدأ الرجال يقبلون على قراءة الفنجان، وأوضحت أن المرأة تقرأ لتسأل عن مشاعرها وعلاقاتها العاطفية وأمورها الشخصية، أما الرجل فيقرأ للسؤال عن عمله وأسراره وخباياه.
    وذكرت أن كثيرين من الناس يسألون عن السحر والشعوذة والأعمال في ما خص الأمور العاطفية تحديداً، كأن تطلب سيدة مثلاً عمل سحر لرجل ليترك زوجته ويتزوجها، أو أن يقع رجل معين في حبها... "الناس لديهم استعداد كبير للغوص في أمور الأعمال والسحر ولديهم القابلية التامة لتصديق هذه الأمور. ويمكنني أن أجني أموالاً طائلة إذا خضت هذا المجال، ولكني لا أعرف هذه الصنعة، ولا أريد مالاً من خلالها لأنها حرام كبير".
    شرب القهوة متعة... وإتقان عملها فن لا يجيده إلا الشخص الصبور، الذي ينتظر غليانها جيّداً عند إعدادها... ويصنعها بروح ونفس طيّبين... فتتكون لذيذة لتعطي مزاجاً رائعاً عند ارتشافها، ولكن أن تعرف خبايا المستقبل منها... فهو الجهل الذي لا تحمد عقباه.
    غدير حمية
يعمل...
X