إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,


    بسم الله الرحمن الرحيم

    تقديـــــــم

    إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله من شـرور أنفسـنا ‏ومن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا ‏هـادي لـه ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن ‏محمـدًا عبـده ورسـوله .‏


    ‏" يـَا أَيُّهَـا الَّذيِـنَ آمَنُـوا اتَّقُـوا اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـه وَلا تَمُوتُـنَّ إِلاَّ ‏وَأَنَتُـم مُّسْـلِمُونَ " . ‏
    ‏ ( ‏سورة آل عمران / آية : 102 ‏)

    ‏" يـَا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـوا رَبَّكُـمُ الَّـذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ ‏وَخَلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالاً كَثِيـرًا وَنِسَـاءً وَاتَّقُـوا ‏اللهَ الَّـذِي تَسَـاءَلُونَ بِـه وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـًا " . ‏
    ‏ ( ‏سورة النساء / آية : 1 ‏)

    ‏" يـَا أَيُّهـَا الَّذِيــنَ آمَنـُـوا اتَّقُــوا اللهَ وَقُولُـوا قَــوْلاً سَـدِيدًا ‏يُصْلِـحْ لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـم وَمَـن يُطِـعِ اللهَ ‏وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ فَـوْزًا عَظِيمـًا " .
    ‏ سورة ‏الأحزاب / آية : ( 70 ، 71 ) ‏

    أمــا بعـــد : ‏

    فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ، وخيـرَ الهـدي هــدي محمـدٍ ـ صلى الله عليه ‏وعلى آله وسلم ـ ، وشـرَّ الأمـورِ محدثاتهـا ، وكـلَّ محدثـةٍ بدعـة ، وكـلَّ ‏بدعـةٍ ضلالـة ، وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـار . ‏
    وبعـــد :‏
    الله سـبحانه وتعالـى أرشـدنا إلـى نــوع مـن التأويـل وهــو مـا يكـون ‏بـه رد المُتَشَـابِهات إلـى المُحْكَمـات . ‏

    ثـم نهانـا عـن نـوع آخـر مـن التأويـل ، وهـو مـا كـان ناشـئًا عـن ‏الهـوى والشـهوة ، لا علـى الحُجَّـة والبرهـان قصـدًا إلـى الضـلال والفتنـة .

    وهمـا لونـان مختلفـان وضربـان بعيـدان ، بينهمـا بـرزخ لا يبغيـان . ‏

    فمـن لـم يصـرف لفــظ المتشـابه عـن ظاهــره الموهـم للتشـبيه أو ‏المحـال فقـد ضـل ، ويقـال فيـه إنـه متبـع للمتشـابه ابتغـاء الفتنـة . ‏

    أمـا مـن يُـؤَوِّل المتشـابه ، أي يصرفــه عـن ظاهـره الموهـم معـانٍ ‏قادحـة فـي الشـرع ،

    يصرفـه بالحُجَّـةِ القاطعــةِ ، لا طلبـًا للفتنـة ، ولكـن منعـًا لهـا وتثبيتـًا للنـاس ‏علـى الحـق مـن دينهـم ، ورداً لهـم إلـى محكمـات الكتــاب القائمـة ‏وأعلامـه الواضحـة ،

    فأولئـك هـم الهـادون المهديـون حقـًا .وعلـى ذلـك ‏درج سـلف الأمـة وخلفهـا وأئمتهـا وعلماؤهـا . ‏

    ونظـرًا لذلـك نـورد بُحَيــث لتوضيـح أنـواع المحكـم والمتشـابه ، ‏وتوضيـح منهـج التعامـل مـع مثـل هـذه النصـوص للسـير علـى نهـج ‏سـلف الأمـة فـي ذلـك . ‏

    نســـأل الله أن يسـلمنا ، وأن يهدينـا ســواء الصــراط.... آميـــن ‏‏. ‏

    نتابع معا ً بإذن الله تعالى




  • #2
    رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

    المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه
    فـــي
    القـــــرآن
    ‏========‏


    معنــى " المُحْكَــم " : ‏
    ‏=============

    ـ اللُّغويـون يسـتعملون مـادة الإِحكـام ( بكسـر الهمـز ) فـي معـانٍ متعـددة ‏، لكنهـا مـع تعددهـا ترجـع إلـى شـيءٍ واحـد ، هـو : " المنـع " ؛ ‏فيقولـون :‏

    ‏ أَحْكَـمَ الأمـر -----> أي أتقنـه ومنعـه عـن الفسـاد ‏

    ويقولـون : ‏

    أحكـم الفـرس -----> أي جعـل لـه حَكَمَـةَ ، والْحَكَمَـة : مـا أحـاط ‏بحنكـي الفـرس مـن لجامـه تمنعـه مـن الاضطـراب

    وقيــل : ‏

    ‏" آتـاه الله الحكمـة " -----> أي :

    العـدل أو العلـم أو الحلـم أو النبـوة أو ‏القـرآن ؛ لمـا فـي هـذه المذكـورات مـن الحوافـظ الأدبيـة الرادعـة عمـا لا ‏يليـق . ‏
    ‏ { مناهل العرفان في علوم القرآن / ‏ج : 2 / ص : 289 0 ‏}

    ـ إحكـام الكـلام -----> إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي ‏أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره .
    ( ‏مباحث في علوم القرآن / ص : 215 )


    معنــى " المُتَشَــابِه " : ‏
    ‏============== ‏

    المتشـابه يَـرِد علـى معنييـن لُغَوييـن : ‏

    ‏1 ـ إمـا مـن " الشُّـبْهَة " ----> وهـي الجهالـة وعـدم التمييـز . ‏

    فيكـون المتشـابه ضـد المحكـم 0‏
    ـ كقولـه تعالــى :

    " قَالُــوا ادعُ لَنَــا رَبَّــكَ يُبَيِّـن لَّنَــا مَـا ‏هِـيَ إِنَّ البَقَــرَ تَشَـابَه عَلَينَـا "
    { ‏سورة البقرة / آية : 70 ‏}
    ‏ - تشـابه علينـا ----> أي اختلـط علينـا ، فـلا نميـزه ولا نعلـم نوعيـة ‏المطلـوب ‏

    ـ ومنـه قولـه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن حديـث النعمـان بـن بشـير : ‏

    ‏" إن الحـلال بَيِّـن ، وإن الحـرام بَيِّـن ، وبينهمـا مشـتبهات لا يعلمهـن كثيـر ‏مـن النـاس " ‏
    ‏ ( ‏رواه مسلم )

    ‏2ـ وإمـا مـن الشَّـبَه ----> وهـو : التماثـل فـي الأوصـاف . ‏
    ـ كقولـه تعالـى :

    " وَأُتُـوا بِـهِ مُتَشَـابِهاً " ‏(سورة البقرة / آية : 25 )

    متشـابهاً ----> أي يشـبه بعضـه بعضـاً فـي اللـون أو الطعـم أو ‏الرائحـة أو الكمـال والجـودة 0 ‏
    ـ وكقولـه تعالـى :

    " تَشَـابَهَت قُلُوبُهُـم "
    {‏سورة البقرة / آية : 118 0 ‏}
    تشـابهت ----> أي يشـبه بعضهـا بعضـاً فـي الغـي والجهالـة . ‏التوحيد ( ربيع أول 1422 )


    المُحْكَــم والمُتَشَـابِه فــي القــرآن : ‏


    ـ ورد فـي القـرآن ما يـدل علـى أنه محكـم ؛ كقولـه تعالـى :

    " الـر ‏كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آياتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـت مِـن لَّـدُن حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ "
    (‏سورة هود / آية : 1 )

    ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أنـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى :

    " اللهُ نَـزَّلَ ‏أَحسَـنَ الحَدِيـثِ كِتَابـاً مُتَشَـابِهاً مَثَانِـيَّ تَقْشَـعِرّ مِنـهُ جُلُـودُ الَّذِيـنَ ‏يَخشَـونَ رَبَّهُـم "
    ( سورة الزمر / آية : 23 )‏
    ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أن بعضـه محكـم ، وبعضـه متشـابه ؛ كقولـه ‏تعالـى :

    " هُـوَ الَّـذِي أَنـزَلَ عَلَيـكَ الكِتَـابَ مِنـهُ آيَـاتٌ مُّحكَمَـاتٌ ‏هُـنَّ أُمُّ الكِتَـابِ وأُخَـرُ مُتَشَـابِهاتٌ " ‏‏
    (‏سورة آل عمرآن / آية : 7 )‏

    والسـؤال الـذي يطـرح نفسـه علـى الأذهـان : ‏
    س : كيـف يمكـن الجمـع بيـن هـذه الآيـات ؟ ! ‏

    وقبـل الإجابـة علـى هـذا السـؤال ، نُـوِرد مقدمـة هامـة لفهـم المحكـم ‏والمتشـابه :

    إن الله عـز وجـل خاطبنـا بكـلام له معنـى ، فالقــرآن كـلام عربـي مكـون ‏مـن ألفـاظ لهـا معـان يسـتوعبها صاحـب اللسـان العربـي ، ولا يسـتوعبها الأعجمـي . ‏
    فإذا قـال الله تعالـى :

    " لَّقَـد رَضِـيَ اللهُ عَـنِ المُؤمِنيـنَ إِذ يُبَايِعُونَـكَ ‏تَحـتَ الشَّـجَرَةِ " ‏
    ‏ ( ‏سورة الفتح / آية : 18 ) ‏

    عَلِـمَ صاحـب اللســان العربـي معنـى كلمـة " شــجرة " ،

    فـإن سـألتُهُ ‏عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟

    فإن كـان مِمَـنْ بايـع مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تحتهـا ، ‏ربمـا وصفهـا لـك وصفـاً دقيقـاً لأنه رآهـا بعينـه ،

    وإن لـم يكـن ـ منهـم ‏ـ قـال : أنـا مـا رأيتهـا حتـى أصفهـا ، ولكنهـا شـجرة تبــدو فـي ‏كيفيتهـا كأي شـجرة تنبـت فـي الصحـراء .

    والحاصــل أنـه سـيصف ‏كيفيـة الشـجرة مـن خـلال رؤيتهـا أو رؤيـة مثيلهـا .

    فمعنـى لفـظ الشـجرة عنـد العربـي معلـوم واضـح محكـم ، يميـز بينه ‏وبيـن لفـظ البقـرة أو غيـره مـن الألفـاظ.

    لكـن لـو سـألنا " الأعجمـي " : مـا معنـى لفـظ " شـجرة " ، أو حتـى " ‏بقــرة " ؟

    عجـز عـن الجـواب لجهلـه بمعنـى الكـلام ‏
    وإذا قـال تعالـى :

    " أَذَلِـكَ خيـرٌ نُـزُلاً أَم شَـجَرَةُ الزَّقُّـومِ "
    (‏سورة الصافات / آية : 62 ‏)

    علم العربـي معنـى كلمـة شـجرة ، وأن المقصـود شجـرة معينـة تخـرج في ‏أصـل الجحيـم ، أَعَـدَّها اللهُ للكافريـن .

    لكـن لـو سـألناه عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟ !

    لقـال : الله أعلـم ، فأنـا مـا ‏رأيتهـا ، ومـا رأيـتُ لهـا مثيـلاً ، فكيـف أعـرف كيفهـا ؟ !

    فأصبـح لفـظ " الشـجرة " محكمـاً لـه ، والكيفيـة التـي دل عليهـا اللفـظ ‏مجهولـة أو غيـر معلومـة أو متشـابهة أو مختلطـة

    لكـن لـو سـألنا " الأعجمـي " عـن معنـى لفـظ " شـجرة الزقـوم " ، لمـا ‏تمكـن مـن الجـواب ؛ لأن المعنـى ليـس لديـه ومشـتبه عليـه ، لا يعرفـه ‏أصـلاً ، وكذلـك كيفيتهـا متشـابهة عليـه مـن بـاب أولـى .

    ممـا سـبق يمكـن تقسـيم المحكـم والمتشـابه إلـى : ‏

    ‏1 ـ إحكـام عـام ، وتشـابه عـام .
    ‏2 ـ إحكـام خـاص ، وتشـابه خـاص.


    **************‏

    نتابع بإذن الله تعالى

    تعليق


    • #3
      رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

      أولاً : " الإحكــام العــام " و " التشـابه العــام "‏



      الإحكــام العــام فــي الكــلام :‏



      هـو إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي ‏فـي أوامـره . ‏
      وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه " محكـم " علـى هـذا المعنـى . ‏
      قـال تعالـى :
      " الـر ، كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آياتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـتْ مِـن لَّـدُنْ ‏حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ " ‏
      ‏ ( ‏سورة هود / آية : 1 ) ‏
      وقـال تعالـى :
      " الـر تِلـكَ آيَـاتُ الكِتَـابِ الحَكِيـمِ "
      ( ‏سورة يونس / آية : 1 ‏)
      وقـال تعالـى :
      " وَإِنَّـهُ فِـي أُمِّ الكِتَـابِ لَدَينَـا لَعَلِـيٌّ حَكِيـمٌ " (‏سورة الزخرف / آية : 4 )

      التشــابه العــام فــي الكــلام :‏



      هـو تماثلـه وتناسـبه بحيـث يصـدقُ بعضـه بعضـاً . ‏
      ـ وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه متشـابه علـى هـذا المعنـى ‏‏. ‏
      قـال تعالـى :

      " اللهُُ نَـزَّلَ أَحسَـنَ الحَدِيــثِ كِتَابـاً مُّتَشَـابِهًا مَّثَانِـيَ ‏تَقْشَـعِرُّ مِنـهُ جُلُــودُ الَّذِيـنَ يَخشَـونَ رَبَّهُـم ثُـمَّ تَلِيـنُ جُلُودُهُـم ‏وقُلُوبُهُـم إلى ذِكـرِ اللهِ ذَلِـكَ هُـدَى اللهِ يَهـدِي بِـهِ مَـن يَشَـاءُ وَمَـن ‏يُضلِـلِ اللهُ فَمَـا لَـهُ مِـن هَـادٍ " (سورة الزمر / آية : 23 )

      فالمتشـابه فـي الآيــة باعتبــار تماثلـه فـي الحُسْـن ، وفـي الآيــة دليـل ‏علـى أن جميـع آيـات القـرآن لها معـانٍ مُحْكَمَـة معلومـة تُؤثـر فـي ‏المسـتمعين ؛ لأنه لا يُعْقَـل أنْ تَقْشَـعِرّ الجلـود وتليـن القلـوب مـن كـلام ‏مشـتبه ليـس لـه معنـى فـي نفـس السـامع . ‏

      ‏* وكـل مـن المحكـم والمتشـابه بمعنـاه المطلـق ( العـام ) المتقـدم لا ينافـي ‏الآخـر ،
      فالقـرآن كلـه محكـم بمعنـى الإتقـان ، وهـو متشـابه أي متماثـل ‏يشـبه بعضـه بعضـًا مـن حيـث الإتقـان . فـإن الكـلام المتقـن تتفـق ‏معانيـه وإن اختلفـت ألفاظـه ، فإذا أمـر القـرآن بأمـر لـم يأمـر بنقيضـه ‏فـي موضـع آخــر ، وإنمـا يأمـر بـه أو بنظيــره ، وكذلـك الشـأن فـي ‏نواهيـه وأخبـاره فـلا تضـاد ‏فيـه ولا اختـلاف . ‏

      قـال تعالـى :

      " أَفَـلاَ يَتَدَبَّـرُونَ القُـرآنَ وَلَو كَـانَ مِـن عِنـدِ غَيـرِ اللهِ ‏لَوَجَـدُوا فِيهِ اختِـلاَفاً كَثِيـراً "
      ( ‏سورة النساء / آية : 82 ) ‏

      ‏ { مباحث في علوم القرآن / ص : 215 / بتصرف من مصادر أخرى }

      ‏********************‏
      نتابع بإذن الله تعالى

      تعليق


      • #4
        رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

        ثانيـًا : " الإحكــام الخــاص " و " التشــابه الخــاص "‏


        ‏ الإحكـام الخـاص ----> هـو الوضـوح والظهـور فـي المعنـى ‏

        التشـابه الخـاص ----> هـو خفـاء المعنـى أو الكيـف .

        وهـذا القســم يتمثـل فـي قولـه تعالـى :

        " هُــوَ الَّـِذي أَنَــزلَ عَلَيـكَ ‏الكِتَـابَ مِنـهُ آيَـاتٌ مُحكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الكِتَـابِ وَأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ ‏فَأَمَّـا الَّذِيـنَ فِـي قُلُوبِهِـم زَيـغٌ فَيَتَّبِعُـونَ مَا تَشَـابَهَ مِنـهُ ابتِغَـاءَ ‏الفِتنـَـةِ وَابتِغَــاءَ تَأوِيلِـهِ وَمَـا يَعلَـمُ تَأوِيلَـهُ إِلاَّ اللهُ ، والرَّاسِـخُونَ ‏فِـي العِلِـمِ يَقُولُـونَ آمَنـَّا بِـهِ كُـلٌّ مِّـن عِنـدِ رّبِّنَـا وَمَـا يَذَّكَّـرُ إِلاَّ ‏أُولُـوا الأَلبـَابِ "
        ‏ ( ‏سورة آل عمران / آية : 7 ) ‏

        الإحكــام الخــاص ‏

        ويتمثـل فـي قولـه تعالـى :

        " منـه آيـاتٌ محكمـات " ‏

        والإحكـام الـذي وصـف بـه سـبحانه ـ بعـض القـرآن هـو : ‏
        قيــل : ‏

        الوضـوح والظهـور .
        بحيـث يكـون معنـاه واضحـًا بَيِّنـًا لا يشـتبه علـى ‏أحـد. ‏
        وهـذا كثيـر فـي الأخبـار و الأحكـام.

        ـ مثالـه فـي الأخبـار : ‏

        ‏# قولـه تعالـى :
        " شـهرُ رمضـانَ الـذي أُنـزِلَ فيـه القـرآنُ ‏‏" ‏
        ‏ ‏سورة البقرة / آية : 85
        فكـل أحـد يعـرف شـهر رمضـان ، وكـل أحـد يعـرف القـرآن . ‏


        ـ ومثالـه فـي الأحكـام : ‏

        ‏# قولـه تعالـى : " .... وَبِالوَالِديـنِ إِحسَـانًا .... " ( ‏سورة النساء / آية : 36 )‏
        ‏ فكـل أحـد يعـرف والديـه ، وكـل أحـد يعـرف الإحسـان .

        ‏# وقولـه تعالـى : " حُرِّمَـتْ عَلَيكـمُ المَيتَـةُ وَالــدَّمُ وَلحـمُ الخِنزِيـرِ ‏وَمَـا أُهِـلَّ لِغَيـرِ اللهِ بِـهِ .... " ( ‏سورة المائدة / آية : 3 ) ‏
        فكـل أحـد يعـرف معنـى : الميتـة ، والـدم ، ولحـم الخنزيـر ، ويعلـم ‏حرمـة ذلـك .

        وقيــل :‏

        ‏ الإحكــام :

        هـو الوضـوح والظهــور فـي معنـى الآيـات دون الكيفيــة ‏التـي دلـت عليهـا ؛ لأن القــرآن كلـه محكـم فـي معنـاه ، فهــو كــلام ‏لـه معنـى ، وليـس كلامـًا أعجميـًّا أو ألغـازًا لا سـبيل إلـى فهمهـا , ولكـن ‏مـن حيـث الكيـف فهنـاك آيـات محكمـات أي معلومـة الكيـف ، وأُخـر ‏متشـابهات
        فمـا عاينـه الإنسـان مـن الكيفيـات التـي تتعلـق ببعـض الأحكـام ، والتـي ‏دلــت عليهـا ألفــاظ الآيـات ، ككيفيـة أداء الصـلاة ، وأفعـال الحـج ، ‏فهـذا محكـم المعنـى والكيفيـة ‏
        أمـا الغيبيـات وحقائـق صفـات الله عـز وجـل ،
        فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي ‏هـذه الصفـات ، لكننـا لا نـدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛

        لقولـه تعالـى :

        " وَلاَ ‏يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلمـًا " ‏
        ‏ (‏سورة طه / آية : 110 )
        وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه ‏
        ( تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ‏ص : 49 )

        التشــابه الخــاص‏

        التشـابه مـن الشـبهة وهـي الجهالـة وعـدم المعرفـة والتمييـز
        ‏ويتمثـل فـي قولـه تعالـى : ‏

        ‏" وأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ " ( ‏سورة آل عمران / آية : 7 ‏)
        والتشـابه الـذي وصـف بـه الله بعـض آيـات القـرآن نوعـان : ‏

        ـ النـوع الأول : " التشــابه الحقيقـي " : ‏

        وهــو مـا لا يمكـن أن يعلمـه البشـر ، كالغيبيـات ، وكحقائـق صفـات الله ‏عــز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفــات ، لكننـا لا نــدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛ ‏لقولـه تعالــى :

        " وَلاَيُحِيطُـونَ بِـهِ عِلمـًا " ( ‏سورة طه / آية : 110 )

        ككيفيـة الاسـتواء فـي قولـه تعالـى :

        " الرَّحمَـنُ عَلَـى العَـرشِ اسـتَوَى" (سورة طه / آية : 5 )

        أو كيفيـة سـمعه وبصـره وتكليمـه وكيفيـة الأشـياء التـي فـي عالـم الغيـب ‏، فهـذا محكـم المعنـى متشـابه فـي الكيفيـة تشـابه حقيقـي ، فـلا يدخـل ‏فـي المتشـابه معانـي الآيـات التـي وصـف الله بهـا نفسـه ، وإلا كانـت ‏كلمـات جوفـاء بـلا معنـى ، تعالـى الله عـن ذلـك

        وعلـى ذلـك فجميـع آيـات الصفـات محكمـة المعنـى متشـابهة فـي الكيفيـة ‏فقـط تشـابه حقيقـي ، فجميــع آيـات الصفـات لهـا معانـي معلــوم عنـد ‏الراسـخين فـي العلــم حسـب اجتهادهـم فـي تحصيلـه .‏

        أمـا الكيـف فيفوضـون العلـم بـه لعـلام الغيـوب . ‏
        وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه ‏‏ ‏
        ‏ ( تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ‏ص : 49 )

        نتابع معًا بإذن الله تعالى

        تعليق


        • #5
          رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,



          ـ النــوع الثانــي : " التشــابه النســبي " : ‏‏ ‏
          وهـو الاشـتباه أي خفـــاء المعنــى بحيـث يشـتبه علـى بعـض النــاس ‏دون غيرهـم ، فيعلمــه الراسـخون فـي العلـم دون غيرهـم
          ( وهـذا ‏تشـابه نسـبي ـ وهـذا النـوع يُسـأل عـن اسـتكشافه وبيانـه ؛ لإمكـان ‏الوصـول إليـه )

          وقـد انقسـم النـاس فـي ذلـك إلـى قسـمين : ‏

          القســم الأول : ‏

          الراسـخون فـي العلـم : ويقولـون :
          " آمنـا بـه كـل مـن عنـد ربنـا "
          ‏وإذا كـان مـن عنــده ـ سـبحانه ـ فلـن يكـون فيـه اشـتباه يسـتلزم ‏ضـلالاً أو تناقضـًا ، وَيَــرُدُّون المتشـابه إلـى المحكـم فصـار مـآل ‏المتشـابه إلـى الإحكـام . ‏

          القســم الثانــي : ‏

          أهـــل الضــلال والزيـغ : وهــم يتبعـون المتشـابه ويجعلـوه مثـارًا ‏للشـك والتشـكيك ، فَضَلُّـوا ‏وأَضَلُّـوا . ‏
          وقـد يـؤدي هـذا التشـابه إلـى توهـم الواهـم : ‏
          ـ مـا لا يليـق بالله تعالـى , ‏
          ـ أو مـا لا يليـق بكتـابه , ‏
          ـ أو مـا لا يليـق برسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ , ‏
          ويفهـم العالـم الراسـخ فـي العلـم خـلاف ذلـك مـن المتشـابه.

          فيمـا يتعلـق بالله تعالـى :‏
          ‏# مثـال أول : ‏
          أن يتوهـم واهـم من قولـه تعالـى :

          " بَـل يَـدَاهُ مَبسُـوطَتَانِ " ( ‏سورة المائدة / آية :64 ‏)أن للـه يديـن مماثلتيـن لأيـدي المخلوقيـن .
          نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع مُحْكَمـًا كالآتـي : ‏الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن للـه تعالـى يديـن حقيقيتيـن علـى ما ‏يليـق بجلالـه وعظمتـه ، لا تماثـلان أيـدي المخلوقيــن ، كمـا أن لـه ـ ‏سـبحانه ـ ذاتـًا لا تماثـل ذوات المخلوقيـن ؛ لأن الله تعالـى يقـول :
          " ‏لَيـسَ كَمِثلِـهِ شَـيءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ " (سورة الشورى / آية : 11 ‏).
          فـردّوا المتشـابه الـذي هـو ----> " بـل يـداه مبسـوطتان " الغيـر واضـح ‏الدلالـة ، إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة الـذي هـو ----> " ليـس كمثلـه ‏شـيءٌ وهـو السـميع البصيـر " . ‏
          ليصيـر الجميـع محكمـًا واضـح الدلالـة .
          ‏ ‏
          ‏# مثــال ثــان :‏
          أن يتوهـم واهـم مـن قولـه تعالـى :
          " إِنَّـا نَحـنُ نُحيـيِ المَوتَـى " ( ‏سورة يس / آية : 12 )‏
          ومـن قولـه تعالـى :
          " إِنَّـا نَحـنُ نَزَّلنَـا الذِكْـرَ وَإِنَّـا لَـهُ لَحَافِظُـونَ " ‏‏ ‏ (‏سورة الحجر / آية : 9) ‏

          ونحوهمـا ممـا أضـاف الله فيـه الشـيء إلـى نفسـه بصفـة الجمـع .

          ـ فاتبـع الضـال الـذي فـي قلبـه زيـغ هـذا المتشـابه وادَّعَـى تَعَـدُّد ‏الآلهـة وتـرك المحكـم الـدال علـى أن الله واحـد . ‏
          ـ وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيحملـون الجمـع المتمثـل فـي لفظـة " ‏نحـن "
          علـى التعظيـم لتعـدد صفـات الله وعظمهـا ، ويـردُّون هـذا ‏المتشـابه إلـى المحكـم فـي قولـه تعالـى :
          " وَإِلَهُكُـم إِلَـهٌ وَاحِـدٌ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُـوَ "
          ( ‏سورة البقرة / آية : 163 ) ‏

          فيمـا يتعلـق بكتـاب الله : ‏

          ‏# مثـال أول : ‏
          ‏ أن يتوهـم واهـم تناقـض القــرآن وتكذيـب بعضـه بعضـًا :‏
          لقولـه تعالـى :
          " مَـا أَصَابَـكَ مِـن حَسَنَـةٍ فَمِـنَ اللهِ وَمَـا أَصَابَـكَ ‏مِـن سَـيِّئةٍ فَمِـن نَّفسِـكَ "
          ( ‏سورة النساء / آية : 79)
          ولقولـه تعالـى فـي موضـع آخـر : ‏

          ‏" وَإِن تُصِبَهُـم حَسَـنَةٌ يَقُولُـوا هَـذِهِ مِـن عِنـدِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُـم ‏سَـيِّئةٌ يَقُولُـوا هَـذِهِ مِـن عِنـدِكَ قُـل كُـلٌّ مِّـن عِنـدِ اللهِ " ( ‏سورة النساء / آية : 78 )


          فـرد هــذا النـص المتشـابه ، ظاهــر التناقــض ‏إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي : ‏

          رأي أول : ‏

          الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن الحسـنة والسـيئة كلتاهمـا بتقديـر الله ‏عـز وجـل ، لكن الحسـنة سـببها التفضـل مـن الله تعالـى علـى عبـاده ، أما ‏السـيئة فسـببها فعـل العبـد ؛ كمـا قـال تعالـى : " وَمَـا أَصَابَكُـم مِّـن ‏مُّصِيبَـةٍ فَبِمَـا كَسَـبَت أَيدِكُـم وَيَعفُـو عَـن كَثِيـرٍ " ‏
          ‏ (‏سورة الشورى آية : 30 ) ‏
          فإضافـة السـيئة إلـى العبـد مـن إضافـة الشـيء إلـى سـببه ، لا مـن ‏إضافتـة إلـى مقـدِّرِهِ ، أمـا إضافـة الحسـنة والسـيئة إلـى الله تعالـى فمـن ‏بـاب إضافـة الشـيء إلـى مُقَـدِّرِهِ ، وبهـذا يـزول مـا يُوهِـم الاختـلاف ‏بيـن الآيتيـن لانفكـاك الجهـة . ‏
          ‏ { تفسير سورة البقرة / محمد صالح بن ‏عثيمين / ج : 1 / ص : 48 } ‏
          ‏-رأي ثــان :‏

          قــال ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

          " إن الله قَـدَّرَ مقاديـرَ الخلــقِ ‏قبــل أن يخلـق السـموات والأرض بخمسـين ألـف سـنة "
          (‏رواه مسلم / حديث رقم : 653 ) ‏
          ‏ نتابع معًا بإذن الله تعالى‏


          تعليق


          • #6
            رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

            نتابع معًا بإذن الله تعالى

            --------------------------------------------------------------------------------
            منشــأ التشــابه وأقســامه وأمثلتــه

            نعلـم ممـا سـبق أن منشـأ التشـابه إجمـالاً ، هـو خفـاء مـراد الشـارع مـن كلامـه ؛ أمـا تفصيـلاً فنذكــر أن منـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفــظ ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا
            فالقســـم الأول :

            وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى خفـاء فـي اللفـظ وحـده :
            منه " مفـرد " و " مركـب "

            والمفــرد

            قـد يكــون الخفــاء فيـه ناشــئًا :
            = مـن جهـة " غرابتــه " ، أو
            = مِـن جهــة " اشـتراكه " .

            والمركــب

            قـد يكـون الخفــاء فيـه ناشــئًا :

            = مـن جهـة " اختصـاره " ، أو
            = مـن جهــة " بسـطه " ، أو
            = مـن جهـة " ترتيبـه " .

            مثـال التشـابه فـي " المفـرد " بسـبب غرابتـه ونــدرة اسـتعماله :

            لفـظ " الأبّ " بتشـديد البـاء فـي قولـه سـبحانه :
            " وفاكهـةً وأبـًّا " [ سورة عبس / آية : 31 ]
            وهــو ما ترعـاه البهائـم ؛ بدليـل قولـه بعـد ذلـك :

            " متاعـًا لكـم ولأنعامكـم " [ سورة عبس / آية : 32 ]

            ومثـال التشـابه فـي " المفــرد " بسـبب اشـتراكه بيـن معـان عـدة :

            لفـظ " اليميــن " فـي قولـه سـبحانه :

            " فـراغ عليهـم ضربـًا باليميـن " [ سورة الصافات / آية : 93 ]

            أي فأقبـل إبراهيـم علـى أصنـام قومـه ضاربـًا لها باليميـن مـن يديـه لا بالشـمال ، أو ضاربـًا لهـا ضربـًا شـديدًا بالقـوة ؛ لأن اليميـن أقـوى الجارحتيـن ؛ أو ضاربـًا لها بسـبب اليميـن التـي حلفهـا ونَـوَّه بهـا القـرآن إذ قـال :

            " وتـا الله لأكيـدنَّ أصنامكـم بعـدَ أن تولـوا مدبريـن " [ سورة الأنبياء / آية : 57 ]

            كل ذلـك جائـز ، ولفـظ اليميـن مشـترك بينهـا .

            ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب اختصـاره :
            قولـه تعالـى :

            " وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى فانكحـوا مـا طـاب لكـم مـن النسـاء "
            [ سورة النساء / آية : 3 ]

            فإن خفـاء المـراد فيـه ، جـاء من ناحيـة إيجـازه ؛ والأصـل :
            " وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى لو تزوجتموهـن ، فانكحـوا مـن غيرهـن ما طـاب لكـم مـن النسـاء "

            = ومعنـاه أنكـم إذا تحرجتـم مـن زواج اليتامـى مخافـة أن تظلموهـن ؛ فأمامكـم غيرهـن فتزوجــوا منهـن ما طـاب لكـم .
            = وقيـل إن القـوم كانـوا يتحرَّجـون مـن ولايـة اليتامـى ولا يتحرجـون مـن الزنـى ، فأنــزل الله الآيـة .
            = ومعنـاه :

            إن خفتـم الجَـوْر فـي حـق اليتامـى فخافـوا الزنـى أيضـًا ، وتبدلـوا بـه الـزواج
            الـذي وسـع الله عليكـم فيـه ، فانكحـوا ما طـاب لكـم مـن النسـاء مثنـى وثـلاث وربـاع .

            ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب بسـطه والإطنـاب فيـه :

            قولـه جلْـت حكمتـه :
            " ليـس كمثلـه شـيء " [ سورة الشورى / آية 11 ]

            فـإن حـرف الكـاف لو حـذف وقيــل " ليـس مثلـه شـيء " كـان أظهـر للسـامع مـن هـذا التركيـب الـذي ينحـل إلـى : " ليـس مثـل مثلـه شـيء " وفيـه مـن الدقـة مـا يعلـو علـى كثيـر مـن الأفهـام .

            ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركــب " لترتيبـه ونظمـه :
            قولـه جـل ذكـره:
            " الحمـد للهِ الـذي أنـزل علـى عبـده الكتـابَ ولـم يجعــل لـه عِوَجـًا * قَيِّمـًا "
            [ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ]

            فـإن الخفـاء هنـا جــاء مـن جهـة الترتيـب بيـن لفـظ " قَيِّمـًا " ومـا قبلـه ولـو قيـل : " أنـزل علـى عبـده الكتـاب قَيِّمـًا ولـم يجعـل لـه عِوَجـًا " لكـان أظهـر أيضـًا .

            واعلـم أن فـي مقدمـة هـذا القسـم فواتـح الســور المشـهورة ، لأن التشـابه والخفــاء فـي المـراد منهـا ، جـاء مـن ناحيـة ألفاظهـا لا محالـة .

            والقســم الثانـي :

            وهـو مـا كـان التشــابه فيـه راجعـًا إلـى خفــاء المعنـى وحــده :
            مثالـه :

            كـل ما جـاء فـي القـرآن الكريـم :
            = وصفـًا لله تعالـى ، أو
            = لأهـوال القيامـة ، أو
            = لنعيـم الجنـة وعـذاب النـار ؛

            فـإن العقــل البشـري لا يمكـن أن يحيـط بحقائــق صفـات الخالـق ، ولا بأهـوال القيامـة ، ولا بنعيـم أهـل الجنـة وعـذاب أهـل النـار .

            وكيـف السـبيل إلـى أن يحصـل فـي نفوسـنا صـورة ما لـم نحسُّـه ، ومـا لـم يكـن فينـا مثلـه ولا جنسـه ؟

            واعلـم أن فـي مقدمــة هـذا القسـم المشـكلات المعروفـة بمتشـابهات الصفـات ؛ فـإن التشـابه والخفــاء لـم يجـيء مـن ناحيـة غرابــة فـي اللفــظ أو اشـتراك فيـه بيـن عـدة معـان أو لإيجـاز أو إطنـاب مثـلاً ، فيتعيـن أن يكـون مـن ناحيـة المعنـى وحـده .

            القســـم الثالــث :

            وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا :
            مثالـه :

            قولـه تعالـى :
            " وليـسَ البِــرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا " [ سورة البقرة / آية : 189 ]

            فإن مـن لا يعـرف عـادة العـرب فـي الجاهليـة ، لا يسـتطيع أن يفهـم هـذا النـصَّ الكريـم علـى وجهـه ..

            وَرَدَ أن ناسـًا مـن الأنصـار كانـوا إذا أحرمـوا لم يدخـل أحـد منهـم حائطـًا ولا دارًا ولا فسـطاطًا مـن بـاب ؛ فـإن كـان مـن أهـل المَـدَرِ ( 1 ) نقــب نقبـًا فـي ظهـر بيتــه يدخـل ويخـرج منـه ، وإن كـان مـن أهـل الوبـر ( 2 ) خـرج مـن خلـف الخبـاء ، فنـزل قـول الله :

            " وليـس البِـرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا ولكـنَّ البِــرَّ مـن اتَّقـى ، وأُتـوا البيـوت مـن أبوابهـا ، واتَّقـوا الله لعلكـم تفلحـون "

            ( 1 ) أهـل المـدر : سـكان البيـوت المبنيـة ، خـلاف البـدو ، سـكان الخيـام 0
            ( 2 ) أهـل الوبـر : أهـل الباديـة ؛ لأنهـم يتخـذون بيوتهـم مـن الوبـر0

            فهـذا الخفـاء الـذي فـي الآيـة ، يرجـع إلـى اللفـظ بسـبب اختصـاره ؛ ولو بسـط لقيـل :

            " وليـس البـر بأن تأتـوا البيـوت مـن ظهورهـا إذا كنتـم محرميـن بحـج أو عمـرة "

            ويرجـع الخفـاء إلـى المعنـى أيضًـا ؛ لأن هـذا النـص علـى فـرض بسـطه كمـا رأيــت ، لابــد معـه مـن معرفـة عـادة العـرب فـي الجاهليـة وإلا لتعـذَّر فهمـه .
            ( مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 )

            نتابع معًا بإذن الله تعالى

            تعليق


            • #7
              رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

              الخلاصــــة :


              المتشــابه:


              يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ فقـط : وهذا:

              = مفـرد : الخفـاء ناشـئًا عـن :
              - غرابتـه
              - اشـتراكه أو

              = مركـب : الخفـاء ناشـئًا عـن :
              - اختصـاره
              - بسـطه
              - ترتيبـه

              يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى فقـط : مثـل
              - الغيبيـات
              - وحقائـق الصفـات
              - وغيـره

              يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا
              بأقسـامها الموضحـة


              نتابع معًا بإذن الله تعالى


              *******************

              تعليق


              • #8
                رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

                الحكمــة فــي تنــوع القــرآن إلـى محكـم ومتشــابه
                ============================



                لـو كـان القـرآن كلـه محكمًـا:

                = لفاتـت الحكمـة مـن الاختبـار بـه تصديقًـا وعمـلاً لظهـور معنـاه ،
                = وعـدم المجـال لتحريفــه والتمسـك بالمتشـابه ابتغــاء الفتنــة وابتغـاء تأويلـه ،

                ولـو كـان كلُّـه متشـابهًا =

                = لفـات كونـه بيانـًا ، وهـدى للنـاس ،
                = ولمـا أمكـن العمـل بـه ، وبنـاء العقيــدة السـليمة عليـه ،

                ولكـن الله تعالـى بحكمتـه جعـل منه آيـات محكمـات ، يُرْجَـع إليهـن عنـد التشـابه ،
                وأُخَـر مشـابهات امتحانًـا للعبـاد ؛ ليتبيـن صـادق الإيمـان ممـن فـي قلبــه زيـغ .

                فـإن صـادق الإيمـان يعلـم أن القـرآن كلـه مـن عنـد الله تعالـى ، ومـا كـان مـن عنـد الله فهـو حــق ، ولا يمكـن أن يكـون فيـه باطـل ، أو تناقـض لقولـه تعالـى :

                " لاَّ يَأْتِيِـه الْبَاطِـلُ مِـن بَيْـنِ يَدَيـهِ وَ لاَ مِـن خَلْفِـهِ تَنزِيـلٌ مِّـنْ حَكِيـمٍ حَمِيـدٍ "
                ( سورة فصلت / آية : 42 )

                وأما مـن فـي قلبـه زيـغ فيتخـذ مـن المتشـابه سـبيلاً إلـى :
                - تحريـف المحكـم
                - واتبـاع الهـوى فـي التشـكيك فـي الأخبـار
                - والاسـتكبار عـن الأحكـام ،

                ولهـذا تجـد كثيـرًا مـن المنحرفيـن فـي العقائـد والأعمـال ، يحتجـون علـى انحرافهـم بهـذه الآيـات المتشـابهة .
                { تفسـير القـرآن الكريـم / سـورة البقـرة / ج : 1 / ص : 51 }

                # ومـن حِكَـم تنـوع القـرآن إلـى محكـم ومتشـابه :

                نقـل السـيوطي عـن الكرمانـي فـي غرائبـه أنه قـال :
                " إن قيـل :
                ما الحكمـة فـي إنـزال المتشـابه ممـن أراد لعبـاده البيـان والهـدى ؟
                قلنـا : 

                إن كـان ( أي المتشـابه ) ممـا يمكـن علمـه فلـه فوائـد :

                ـ منهـا الحـث للعلمـاء علـى النظـر الموجـب للعلـم بغوامضـه والبحـث عـن دقائقـه ، فـإن اسـتدعاء الهمـم لمعرفـة ذلـك مـن أعظـم القُـرَب .
                ـ ومنهـا ظهــور التفاضــل وتفـاوت الدرجـات ؛ إذ لـو كـان محكمًـا لا يحتـاج إلـى تأويـل ونظــر لاسـتوت منـازل الخلـق ، ولـم يظهـر فضـل العالـم علـى غيـره.

                وإنَ كـان ( أي المتشـابه ) ممـا لا يمكـن علمـه ( بـأن اسـتأثر الله بـه ) ، فلـه فوائـد :

                ـ منهـا ابتـلاء العبـاد بالوقـوف عنـده
                - والتوقـف فيـه
                - والتفويـض والتسـليم ،
                { مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 319 }


                # تســـاؤلات والـــرد عليهــا :

                س : هـل كـل مـن يتبـع المتشـابه يُحْكَـم عليـه بأنـه فـي قلبـه زيـغ ؟ !
                ج : لا .
                ـ إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنـص المتشـابه ، فإنـه ليـس علـى سـبيل الإطـلاق يُحكـم عليـه بأنـه مـن الذيـن يوصفـون بـأن فـي قلوبهـم زيـغ ، فقـد يكـون " المتشـابه " عنـده " محكـم " وذلـك بعـد اجتهـاده وبحثـه وصدقـه فـي طلـب الحـق وفـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا أمـر يُوكَــل إلـى عَـلاَّم الغيـوب الـذي يعلـم مـا تخفـي الصـدور ، بـل قـد يكـون هـذا الشـخص عنـد الله مأجـورًا وإن أخطـأ!!!!

                ـ وأمـا إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنــص المتشـابه ، تَرَخُّصًـا واتباعـًا للهـوى أو المصلحـة أو غيـر ذلـك ـ بينمـا أمامـه النصـوص المحكمــة واضحـة الدَّلالـة ، فهـذا علـى خطـر عظيـم ، والله أعلـم بحالـه ، وقـد يُعَـدّ ممـن يوصـف بأنـه فـي قلبـه زيـغ .

                س : هـل المحكـم والمتشـابه يكـون فـي آيـات القـرآن الكريـم فقـط ؟ !

                ج : لا .

                المحكـم والمتشـابه قـد يكـون أيضًـا فـي الأحاديـث النبويـة :

                # وأمثلـة ذلـك :

                ـ نـوم ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ مـع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وزوجتـه في فـراش واحـد !!!
                فتتولـد شـبهة الاختـلاط ومـا إلـى ذلـك
                ثـم عنـد النظــر فـي الأحاديـث الـواردة فـي هـذا الأمـر نجـد أن هـذه الزوجـة هـي ميمونـة زوج النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـي خالـة ابـن عبـاس
                فيـزول الإشـكال
                { صحيح سنن أبي داود / ج : / أحاديث رقم : 1205 ، 1215 ، 1216 }

                ـ تحديـث عائشـة ـ رضي الله عنها ـ لأحـد الصحابـة بأمـر شـخصي !!!!

                عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
                { قَبَّــلَ امـرأة مـن نسـائه ثـم خـرج إلـى الصـلاة ولـم يتوضـأ }

                قـال عـروة : فقلـتُ لهـا : مـن هـي إلا أنـت ؟ .... فضحكـتْ .
                { صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / حديث رقم : 165}

                هـذا المُـزَاح بيـن أم المؤمنيـن عائشـة ـ رضي الله عنها وهـذا الصحابـي يثيـر الشـبهات !!!!!!!

                نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم
                وذلـك بـأن نَكِـل حقائــق الأمــور إلـى الله ولا نشـك فـي الصحابـة ،
                ولا نشـك فـي النصـوص التـي تحـرم الاختـلاط
                وبالتتبـع وجـد أن : عـروة هـو عـروة بـن الزبيـر وهـو ابـن أختهـا
                فيـزول الإشـكال .
                {حاشية صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / ص : 36 }


                قاعـــدة :

                ـ إذا كان لدينـا نصـوص محكمـة وأخـرى متشـابهة ، وليـس لدينـا وسـيلة أو أي أدوات للترجيـح ، فعلينـا أن نتهـم أنفسـنا بعـدم الإلمـام بكـل النصــوص الخاصـة بهـذه المسـألة ، وألا نحيـد عـن المحكـم فـي هـذه المسـألة إلـى المتشـابه فيهـا.

                ـ وعنـد تعـارض قـول أو فعـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـع قـول أو فعـل غيـره ، فـلا يجـوز تـرك قـول أو فعـل النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأحـد كائنًـا مـن كـان ، سـواء كـان صاحبيًّـا جليـلاً أو عالمـًا جليـلاً 0 وهـذا هـو منهـج الصحابـة الكـرام.

                * عـن صالـح بـن كيسـان عـن ابـن شـهاب أن سـالم بـن عبـد الله حدثـه أنـه سـمع رجـلاً مـن أهـل الشـام ، وهـو يسـأل عبـد الله بـن عمــر عـن التمتـع بالعمـرة إلـى الحـج ، فقـال عبـد الله ابـن عمـر :

                هـي حـلال .. فقـال الشـامي :
                إن أبـاك قـد نهـى عنهـا
                قـال عبـد الله :
                أرأيـت إن كـان أبـي نهـى عنهـا ، وصنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أَمْــر أبـي يُتَّبَـع أم أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ !

                فقـال الرجـل : بـل أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ 0

                فقـال : لقـد صنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

                {أخرجه الترمذي , وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في كتابه :
                الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / ج : 5 / كتاب السنة / ص : 36 }

                فعنـد مـا نناقـش مسـألة : سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :

                نجـد أن هنـاك أحاديـث كثيـرة عـن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ توجـب سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :

                { فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
                " لا يحــل لامــرأة تسـافر مسـيرة يـومٍ وليلـةٍ إلا مـع ذي محـرم عليهـا " متفق عليه ـ نيل الأوطار}

                ثـم نجـد أثـر عـن بعـض أمهـات المؤمنيـن أنهـن سـافرن بـدون محـرم !!!!

                فهـذا الأثـر مـن المتشـابهات التـي لا نعلــم مـا وراءهـا مـن حقائــق ، فـلا نتهـم أحـد بعـدم الاتبـاع .....
                فهـذا فعـل صحابـه واجتهادهـم وهـم غيـر معصوميـن
                ولا نعلـم حقيقـة الأمـر ولا حجتهـم ،
                ونَكِـلُ أمـرَ الحكـم علـى فعلِهـم إلـى اللهِ ،
                وأما بالنسـبة لمـن بلغـه الأحاديـث الـواردة فـي تحريـم سـفر المـرأة بـدون محـرم ،
                وهـي نصـوص محكمـة وفـي أعلـى مراتـب الصحـة ،
                فعليـه تـرك العمـل بهـذه الآثــار المتشـابهة ، واتبـاع النصـوص المحكمـة ،
                ولا يحيـد عـن المحكـم إلـى المتشـابه .


                جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                ***************

                تعليق


                • #9
                  رد: المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه ,,

                  موضوع رااااااااائع

                  بارك الله فيكِ ياغسق

                  جزاكِ عنه خير الجزاء

                  حقيقي موضوع فى منتهى الروعة

                  في إنتظار جديدك دائماً

                  تحياتي لك

                  تعليق

                  يعمل...
                  X