إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من كتاب البعد الخامس 1-2- 3 - الدكتور طالب عمران

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من كتاب البعد الخامس 1-2- 3 - الدكتور طالب عمران

    البعد الخامس -الدكتور طالب عمران
    -2-

    صحوت على جرس الهاتف يرن قرب أذني، كان الدكتور حامد:
    -سنلتقي بعد نصف ساعة في المطعم
    أغلقت السماعة.. كانت لينا قد ارتدت ثيابها:
    -لم أشأ أن أوقظك بدوت متعباً
    نفذت رائحة عطرها إلى أنفي:
    -ما هذه الأناقة يا حبيبتي؟
    -لو سافرنا بالقطار، كنت سأرتدي ثوباً مختلفاً..
    -معك حق.. سنسافر بالطائرة
    -أسرع.. الرجل ينتظرنا
    تشابكت أذرعتنا ونحن نهبط إلى المطعم.. كان الدكتور (ماهر) يتناول إفطاره على طاولة منفردة، رفع يده ينبهنا إلى مكان وجوده.. تناولنا إفطاراً سريعاً.
    -لا داعي للعجلة هل أحضرت ما طلبته منك؟
    مددت يدي إلى جيب سترتي اخرج جوازي سفرنا أنا ولينا.. أشار لرجل يقف على بعد عدة أمتار حضر مسرعاً وهو ينحني، كلّمه بالهندية، وأعطاه جوازات السفر.. فانحنى من جديد وخرج..
    -رأيت جدّي الدكتور حامد في نومك أمس؟
    فاجأني الدكتور ماهر بجملته: -فعلاً..
    -لا تستغرب لقد زارني في الحلم أيضاً، وأشار لي أنه سيزورك..
    بدأنا حديثاً، شاركتنا لينا فيه أحياناً.. حول القدرات الخارقة عند الإنسان
    -أتعلم؟ من السخافة الاعتقاد أن التقدم في السن، يمنح تلقائياً" الخبرة والقيادة للإنسان، فالسلطة الحقيقية تستند على الخبرة الحقيقية والكفاءة، والمعرفة والإشعاع..
    -أعتقد أن العالم النفسي (بيير داكو) أشار إلى ذلك في أبحاثه.
    -صحيح.
    -ما الذي تريد أن تؤكد عليه يا دكتور ؟
    -أريد أن أؤكد أن الكفاءة الذكية هي معاينة الأشياء بمجملها فالكفاءة الإنسانية هامة، كالكفاءة المهنية.. وكما قلت لك الكفاءة لا تأتي من التقدم بالسن.. وهناك كفاءة دعني أطلق عليها اسم (الكفاءة الحمقاء) وهي تقوم على الإلمام التام بنوع من المعرفة دون غيره، وصاحبها يعتبر نفسه فوق مستوى جميع الناس بكل شيء.
    -نعم.. ولكن ما علاقة هذا الحديث بموضوع سرّ الحياة؟
    -إن جدّي الدكتور (حامد) والدكتور (زيدي) يملكان كفاءة ذكيّة متطوّرة، دون أن يصخبا بالتبجج بهذه الكفاءة أمام الناس بل بالعكس كانا يهربان من التجمعات الفارغة للناس.
    -معك حق في هذا.. وإن كانت هناك أسئلة كبيرة لم ألق وزوجتي الإجابة عنها بعد ..
    أكدت لينا قولي‍
    -أعتقد أن الدكتور ماهر يملك بعض الإجابات عن تلك الأسئلة الكبيرة
    ابتسم وهو ينظر نحونا:
    -قد تلقيان الإجابات المناسبة عن جميع أسئلتكما في زيارتنا للخنو .
    نهض يحيينا بلطف:
    -سيكون سفرنا في الثالثة بعد الظهر، إنه موعد إقلاع الطائرة، سنخرج من الفندق قبل الثانية بقليل أمامكما وقت كبير يمكنكما الاستفادة منه.. لدي عمل في جامعة نهرو، قد لا أعود قبل الواحدة..
    تابعته ولينا وهو يمشي بهدوء خارجاً من المطعم.. وهمست لينا في أذني:
    -إنه رجل غير عادي.. ربما كان من أهم الشخصيات التي لن نندم في التعرف إليها
    -معك حق.. ما رأيك لو نذهب في جولة إلى (الكانات بليس) و(الجامباث) في مركز دلهي الجديدة؟
    -لا بأس.. لا داعي لتبديل ملابسنا أليس كذلك؟
    -نعم لا داعي
    كنت أرغب في العثور على صديقي القديم (غورديب سنغ) السردارجي العجوز –لقب يطلق على السيخ- الذي ربطتني به صداقة استمرت منذ أيامي الأولى في الهند.. ولم أقل لزوجتي شيئاً..
    بحثت عنه طويلاً في (الكانات بليس) وأخيراً عثرت عليه في أحد المداخل الكثيرة في دائرة السوق الملتفّة حول حديقة الوسط.. كلمته بالهندية مداعباً:
    -اما زلت حيّاً أيها العجوز؟
    انتفض مرحباً يشد على يدي بحرارة ثم همس بإنكليزية ممزوجة بلكنة هندية:
    -أهلاً بك يا ابنتي.. أنت لينا إذن؟
    انتفضت لينا مدهوشة أيضاً: -كيف عرفت؟
    -رأيتكما في نومي أمس، كنت ترتدين هذا الثوب أيضاً.. اسمعي السحاب الخلفي غير مثبّت جيداً وفعلاً كان السحاب الخلفي لثوبها مفتوحاً قليلاً، يظهر جزءاً من أسفل ظهرها.. ضحك (غورديب سنغ)..
    -زوجك يعرفني جيداً، لا تقلقي، ستعيشان معاً بسعادة، أنت تخافين من المستقبل، كأن عكراً يعطل عليك سعادتك، ومصدر هذا يا ابنتي التجارب الفاشلة التي مررت بها.. لا تخافي زوجك شهم نبيل، تعيشين في أعماقه.. وهو يحبك بقوة.. حباً لا مثيل له في أيامنا.
    شدت لينا على يدي بعاطفة وأكمل الشيخ كلامه:
    -زيارتكما للهند غنيّة، ستكسبان منها معارف كثيرة.. وهناك شخص غير عادي ستتعرفان من خلاله على أسرار لم تحلما بالوصول إليها من قبل.
    صمت لبعض الوقت وسألني: -أترغب في الذهاب معي إلى البيت وزوجتك؟
    -لا بأس.. أريدها أن تتعرف على بعض عوالمك.
    ابتسم ضاحكاً: -عوالمي؟ أنا لا أعرف سوى القليل يا دكتور.
    -هذا القليل الذي تعرفه، لم يصل إليه أحد بعد.
    -لا يا بني.. هناك أناس تجاوزوني بمعارفهم وقدراتهم هل أنت متعبة يا سيدتي؟
    -لا.. لماذا تسأل؟
    -سنتمشى حتى البيت، إنه ليس بعيداً.
    حدثني غورديب سنغ) عن محاولاته في الخروج من الجسد، وعن نجاحه في ذلك لمدة معينة، يحاول باستمرار أن يزيدها..
    -لم أصل بعد إلى أكثر من (24) ساعة، أنا أحاول أن أتجاوز أضعاف هذا الرقم.
    –وما الذي يمنعك؟
    -أنا مضطر للعمل في (الكانات بليس) أقرأ الكفّ والطالع للسيّاج، ربما تمكنت في العام القادم من التفرغ لذلك بعد أن يستلم ولدي الأكبر عمله ويدير محلاتنا المغلقة.
    -تقصد مدارس اليوغا على طريقة السيخ؟
    -لا.. ابني (ديليب) وهو الأوسط، يدير تلك المدارس ويشرف عليها.. أما ابني الأكبر فسينهي دراسته في (إدارة الأعمال) من بريطانيا في نهاية هذا العام.. ابني الأصغر، انضم للمتمردين السيخ.. آه، كم حذرته من ذلك..
    -إنه بعيد عنك الآن؟
    -نعم.. بعيد لدرجة لا نراه فيها، لقد قتل في اقتحام الجيش معبدنا في أمريتسار.. حذرته من السياسة، ولكنه كان مخدوعاً بكلام الساسة، وأرض خلاص السيخ..
    -أنا آسف لم أسمع بهذا الخبر.
    -أعلم ذلك يا بني.. أنا وحيد في البيت الآن، وليس سوى زوجتي وابنتي..
    وصلتم طريقاً فرعياً، والشيخ في المقدمة، ثم توقف أمام حديقة صغيرة فتح بابها ودعاكما للدخول.. فتحت صبية ترتدي (البنجابي) لباس السيخ المميّز، ودعتنا للدخول مرحبّة، وفي الصالة، أشار لنا بالجلوس واعتذر بلطف وهو يتمدد على الأرض:
    -تشربان الشاي مع الحليب؟
    -لا بأس
    لم تكن ابنته تعرف الإنكليزية ولكنها تفاهمت ولينا بلغة الإشارة.. سأل الشيخ لينا:
    -حتى لا تكون زيارتك إلى هنا ناقصة، سأريك بعض الأشياء التي أظن أنك لم تريها من قبل، حدثك عنها زوجك فقط، ولكن لم تريها..
    همست شاكرة: -سوف يسعدني ذلك .
    تمدد الشيخ على ملاءة، ووضع فوق صدره غطاءاً رقيقاً مع قضبان من الخشب، غطاها بغطاء آخر.. ثم بدأ يرتفع عن الأرض طائراً بهدوء.. نظرت إليه لينا مدهوشة، وبعد دقائق انخفض بهدوء.. همست:
    -شيء لا يصدق أنه متقدم في السن، كيف يقوى على ذلك؟
    -لا علاقة للتقدم في السنّ بهذا العمل.. إنها الخبرة والمعرفة والقدرة على التحكم بالجسد.
    أراها (الشيخ) كيف تنخفض ضربات القلب إلى نبضتين في الدقيقة، وكيف يدخل في مرحلة (اللتيارجيا –السبات) ولم تشعرا بالوقت يمر سريعاً.. حتى نبهكما الشيخ:
    -إنها الثانية عشرة وأربعين دقيقة.. قد تتأخران في الذهاب إلى (الخنو)
    تابع كلامه وهو ينظر نحو لينا بهدوء.
    -هناك أسرار كثيرة يا ابنتي موجودة داخل الإنسان، لم نتعرف سوى على القليل منها.. أراك متعجبة من معرفتي لأفكاركما.. ولمخططاتكما.. قلت لك من قبل أنا اقرأ الأفكار جيداً.. قد تتعلمان السر فيما بعد..
    ودعناه وابنته بحرارة.. وعند الباب همس لنا:
    -ستعودان إلي أعرف ذلك.. أتمنى لكما التوفيق في رحلتكما، إنها رحلة غير عادية.
    كانت لينا مدهوشة، وهي تتعلق بذراعي ونحن نقطع الطريق عائدين إلى (الكانات بليس):
    -يجب أن نسجل كل ما يحدث لنا، وما نراه، أولاً بأول..
    -معك حق.. هيا نسرع، إنها الواحدة
    لم نعثر على (سكوتر) فمشينا إلى موقف (للتاكسي) كانت (لينا) صامتة مدهوشة وقد احترمت صمتها وأنا أعلم أن ما تشهده أكبر من أن تعبر عنه الكلمات..

    -3-

    قلت للينا بعدما خرجنا من بيت (غورديب سينغ)- إنه صديق لأحد أعز أصدقائي الراحلين استفسرت متهمة: -ومن هو؟. قلت: -أوم باركاش سينغ.. قالت: -كأنني سمعت باسمه من قبل ..؟.
    تعود معرفتي بـ (أوم بركاش سنغ) إلى أوائل الثمانينات، ففي يوم من أيام حزيران-يونيو- الحارّة وكنت أمشي في (كانات بليس) وهو سوق كبير في دلهي عاصمة الهند، استوقفني رجل مسن بلحية بيضاء وعمامه ملفوفة جيداً على عادة السيخ: -أيها الشاب.. أيها الشاب
    توقفت أنظر باستغراب إليه… -ماذا تريد؟
    - أنت شاب لديك طموحات عديدة، يأتي إليك مال كثير من حياتك، ولكنك لا تحب الاحتفاظ به.. قلت ممتعضاً: استوقفتني لتقول لي مثل هذا الكلام؟ أرى فيك منجماً تقرأ الطالع، ولكني لا أؤمن كثيراً بألاعيبكم…
    ابتسم بهدوء: -أتحب أن تحاورني؟
    قلت لنفسي وأنا أتفرس فيه بعمق (يبدو رجلاً متمكناً، لابأس أن أتسلى معه قليلاً) همس حين توقفت: أهلاً بك يا بني.. وأردف وهو يتأملني: تعذبت كثيراً في حياتك، لكنك شاب عنيد قهرت صعاباً عديدة وصمدت في وجه ظروف بالغة التعقيد.. اسمع ستزور بلداناً كثيرة، في الشهر القادم ستزور بلداً أوربياً وتتعرف على شخصية تصبح لها أهمية في حياتك..
    حكى لي الرجل المسنّ عن أشياء كثيرة، وتنبأ بأحداث سأمر بها، ولم أكن في ذلك الوقت ألقي بالاً لمثل هذه الأمور، إن ما شدني إلى (اوم بركاش سنغ) وهو اسم الرجل، قدرته على قراءة الأفكار، وكنت مقتنعاً أن القدرة على قراءة الأفكار ومعرفة خبايا النفس عن طريق متابعة الذهن وومضاته، أصبحت في هذا العصر علماً قائماً بذاته.. حاولت أن أضلل معلوماته فحصرت تفكيري في قضية معينة، وهو يحدق بي بصمت، وأنا أستجرّه لمعرفة المزيد من أفكاري، ولكنه بعد لحظات أعترف أنني شخص صعب.. قلت له حينذاك: ليس ذلك صعباً، كل ما في الأمر أنني أركز أفكاري ولا أتركها سهلة تصطادها.. وحين عرف أنني أتابع دراستي في الرياضيات العالية وحكى لي قصة عجيبة حدثت معه:..
    -أنتم يا من تنشغل أفكارهم بالمسائل الصعب التجريدية، تبدو أدمغتكم صعبة في بث الأفكار.. والأوامر إليها.. آه يا بني.. لن أنسى ما حييت ذلك الرجل الأصلع حليق الوجه، المتقدم في السن بنظارته السميكة الذي يخفي خلفها عينين نفاذتين تتغلغل زرقتهما في أعماقك، فتشعر أنك صغير أمامه.. كان يمشي في السوق هنا في مثل هذا الوقت من السنة، قبل عامين ومعه امرأة أطول منه قليلاً يستند إليها أحياناً.. تحرشت به كالعادة، وقلت لـه أنه رجل محظوظ، وأنه يرتفّع فوق سلم الشهرة، وسيصل إلى مراتب عالمية عالية.. توقف حينها ونظر لي.. ثم قال.. (لست سائحاً عادياً يا سيدي حتى تجذبني بعباراتك) فأجبته على الفور (بل أنت رجل علم، تحضر مؤتمراً علمياً هذا وظيفتك تدر عليك دخلاً ممتازاً، وأنت كثير التنقل، والأسفار في العام الماضي كنت تعيش بين أناس قدّموا لك الكثير ولكنك مولع في البحث عن الأسرار.. ورغم اختصاصك العالي في الرياضيات، فأنت مشدود للبحث في تاريخ العلم.. وقد قضيت سنوات في مدينة سورية عريقة، تنبش في المخطوطات والكتب القديمة أنت رجل أصيل تسعى للوصول إلى الحقيقة وتعلنها دون تردد حتى وإن انزعج منها الآخرون.)).. نظر الرجل لي بعمق بعد أن خلع نظارته الطبية (أنت رجل ذكي بارع في لعبة قراءة الأفكار) وأخرج من جيبه مائة روبيه.. ولكنني رفضت المال وقد شدتني شخصيته وشعرت بالرغبة في محاورته…. لم أستطع كتمان سؤالي الملهوف عندها: -وحاورته؟
    -كانت تساوره الرغبة نفسها، همس لزوجته البدينة قليلاً يستشيرها فهزت رأسها موافقة.. رافقتهما إلى منزلي، وكان حديثاً طويلاً ممتعاً أكد لي البروفسور(أرنولد) وهو اسم الرجل، إنّ ما قلته كان صحيحاً وأنه قضى في حلب، وهو اسم المدينة السورية العريقة، عدة أشهر يبحث في أسرار المخطوطات العربية والكتب القديمة، وهو رجل يتقن اللغة العربية جيداً وقد أعلن عدة اكتشافات لصالح العلماء العرب رغم احتجاج بعض الأوربيين المتعصبين.. ..
    شدّني حديث أوم بركاش سنغ فسألته: -وحكى لك عن السنوات التي أنفقتها في البحوث والمؤتمرات والندوات الدولية؟
    قال: نعم.. كان كل ما قلته صحيحاً، أعترف بصحته.. ولكنه قال لي بعد ذلك (ربما استطعت أيها الرجل المسن أن تقرأ أفكاري لأنني كنت طيّعاً معك.. ولكن حاول الآن)
    -وحاولت معه؟
    -بالطبع وفشلت.. كان رجلاً صعباً دار بيننا حوار ذهني، أحسست في نهايته أنني حزين، ثم همست له (خلال خمسين عاماً من دراستي للتخاطر واليوغا، بترويض الذهن وقراءة الأفكار، لم أصادف دماغاً صعباً مثل دماغك) ابتسم البروفسور (أرنولد) عندها وقال: (قد يكون ترويض الدماغ عملاً صعباً لمن يعملون بالفكر فقط، ولا يستخدمون سواه في حياتهم العملية، ولكن من يعملون بقواهم البدنية يمكن ترويض أذهانهم دون صعوبة، وأخذ أوم بركاش سنغ يحكي لي أشياء كثيرة كان يفعلها. كان بإمكانه أن يقرأ أي شيء يجول في ذهن من يختبره.. وإن السياح يقصدونه لاختبار مقدرته، وكان يبث من ذهنه أحياناً أوامر صغيرة يفعلها السائح دون انتباه قبل أن يفاجئه أنه يعرفها تماماً..

  • #2
    رد: من كتاب البعد الخامس 1-2- 3 - الدكتور طالب عمران

    السلام عليكم
    منشورك جيد جدا.
    حظا طيبا وفقك الله

    hair transplant centers

    تعليق

    يعمل...
    X