إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

افتراضي بداية كتاب مذكرات ( همنفر) الجاسوس البريطاني مع محمد عبد الوهاب-2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • افتراضي بداية كتاب مذكرات ( همنفر) الجاسوس البريطاني مع محمد عبد الوهاب-2

    بقيت في كربلاء والنجف مدة أربعة أشهر وقد مرضت في النجف مرضا حادا حتى يأست من نفسى، ودام معي المرض مدة ثلاثة أسابيع، وراجعت طبيبا كان هناك، ووصف لي بعض الأدوية، فلما شربتها أحسست بتحسن صحتى، وكان الفصل صيفا شديد الحر، فكنت أعتكفت أيام مرضى في مكان تحت الأرض يسمى (السرداب)، وكان صاحب البيت الذي استأجرت منه غرفة يباشر في هذه المدة مهمة صنع الطعام والدواء لي لقاء أجر بسيط. وكان يعتبر مدة خدمتى أفضل قربة إلى الله تعالى، حيث أنه يخدم زائرا لأمير المؤمنين. وكان أكلي فقط في الأيام الأولى ماء طير يسمونه (الدجاجة)، ثم سمح لي الطبيب بأكل لحمة أيضا. وفي الأسبوع الثالث أباح لي أن آكل الأرز بالدجاج. بعد أن تعافيت من المرض ذهبت إلى بغداد، وهناك كتبت تقريرا مفصلا عن مشاهداتى في النجف و كربلاء و الحله وبغداد والطريق في تقرير مسهب إستوعب مائة صفحة، وسلمت التقرير إلى ممثل الوزارة في بغداد، وبقيت بانتظار أوامر الوزارة هل أبقى في العراق أم أعود إلى لندن
    وقد كنت شديد الشوق للعودة إلى لندن، لأن الغربة طالت والحنين للبلد والأهل قد إشتد، خصوصا وقد كنت متشوقا كثيرا إلى لقاء ولدي (رسبوئين) الذي فتح العين على الفور في غيابي، ولذا فإني قد طلبت من الوزارة مع التقرير الذي بعثته إليها أن يسمحوا لي بالعودة ولو لأجل محدود، لأروي لهم انطباعاتي شفويا، ولكي آخذ قسما من الراحة والاستجمام، فقد طال سفري إلى العراق مدة ثلاث سنوات
    قال لي ممثل الوزارة في بغداد أن لا أتردد عليه، وأن أستأجر غرفة في إحدى الخانات المطلة على نهر دجلة لكيلا تثار حولي شبهة، وقال أنه (أي الممثل) سوف يخبرني بالجواب حينما يأتي البريد من لندن. وكنت في أيام إقامتي في بغداد رأيت البون الشاسع بين عاصمة الخلافة وبين بغداد، وكيف أن الأتراك يتعمدون إذلال أهالي العراق لأنهم عرب لا يؤمن مكرهم
    كنت أيام مغادرتى البصرة إلى كربلاء والنجف قلقا أشد القلق على مصير (الشيخ محمد عبد الوهاب)، حيث كنت لا آمن الانحراف عن الطريقة التي رسمتها له، فأنه كان شديد التلون، عصبي المزاج، فكنت أخشى أن تنهار كل آمالي التي بنيتها عليه. أنه حين أردت أن أفارقه كان يروم الذهاب إلى الاستانة للتطلع عليها لكني منعته عن ذلك أشد المنع وقلت له أخاف أن تقول هناك شيئا ما يوجب أن يكفروك ومصيرك حينذاك القتل. قلت له هكذا ولكن كان في نفسي شيء آخر، وهو أن يلتقي ببعض العلماء هناك، فيقوّموا معوّجه ويرجعونه إلى طريق أهل السنة فتنهار كل آمالي. ولما كان الشيخ محمد لا يريد الإقامة في البصرة، أشرت عليه أن يذهب إلى (أصفهان وشيراز)، فإن هاتين المدينتين جميلتين، وأهاليها من أهل الشيعة، ومن المستبعد أن تؤثر الشيعة في الشيخ، وقد كنت بذلك أمنت أنحرافه. وعند مفارقتى للشيخ قلت له: هل أنت تؤمن بالتقية؟ قال نعم، فقد أتقى أحد أصحاب الرسول (وأظنه قال أنه مقداد) حين أضطهده المشركون، وقتلوا أباه وأمه فأظهر الشرك وأقره على ذلك رسول الله. قلت له: إذن إتق من الشيعة ولا تظهر لهم إنك من أهل السنة لئلا تقع عليك كارثة، وتمتع ببلادهم، وتعرف على عاداتهم وتقاليدهم، فإنه ينفعك أشد النفع في مستقبل حياتك
    وقد زودت الشيخ حين أردت مفارقته بكمية من المال بعنوان (الزكاة) وهي ضريبة إسلامية تؤخذ لصرفها في مصالح المسلمين، كما وقد اشتريت له (دابة) للركوب بعنوان الهدية وفارقته. ومنذ مفارقتى له لم أعلم مصيره، وكنت قلقا لذلك أشد القلق، وقد اتفقنا أن نرجع كلانا إلى البصرة، وإذا رجع أحدنا ولم يجد صاحبه، يدع مكتوبا عند عبدالرضا يخبر فيه صديقه عن حاله
    بعد مدة من مكوثي في (بغداد) أتتني الأوامر بضرورة التوجه إلى (لندن) فورا فتوجهت إليها، وهناك اجتمع بي السكرتير وبعض أعضاء الوزارة وأخبرتهم بمشاهداتي وما عملته في سفرتي الطويلة. ففرحوا بمعلوماتي عن العراق أشد الفرح وأبدوا إرتياحهم لها. وكان قد سبق إليهم تقريري عن الرحلة، وظهر لي فيما بعد أن صفية قرينة (الشيخ محمد عبدالوهاب) في البصرة أيضا كانت قد كتبت إليهم مما يطابق تقاريري. كما تبين أيضا أن الوزارة كانت تراقبني في كل سفرة، وأن المراقبين كتبوا عني تقارير مرضية، ومصدقة لما كتبت في تقريري، وِلما قلت عند مقابلة السكرتير
    وضع لي السكرتير موعدا للاجتماع بنفس الوزير، ولما زرته رحب بي ترحيبا حارا يختلف عن ترحيبه السابق عندما عدتُ من الاستانة إلى لندن، وظهر لي أنني شغلت من قلبه مكانا لائقا. وقد أبدى الوزير إرتياحه الكبير من السيطرة على محمد، وقال: أنه ضالة الوزارة، وأكد علي مكررا بأن أعاهده بكل أنواع المعاهدة، وقال أنك لو لم تحصل في كل اتعابك إلا على الشيخ، كان ذلك جديرا بكل تلكم الاتعاب. وحيث مجموع أيام سعادتى لم يترك عندى من السعادة ما تركته عندى أيام الشفاء من المرارة
    راجعت الوزارة لأخذ الأوامر بشأن المستقبل، وكان باستقبالي السكرتير بطلعته الوسيمة، وثغره الباسم، وطوله الفارع، وصافحني مصافحة حارة لمست منها كل معاني الأخوة. وقال لي: لقد أمرني الوزير شخصيا كما خولتني اللجنة الخاصة بشؤون المستعمرات أن أطلعك على سرين هامين جدا، وذلك لكي تستفيد منهما في المستقبل، ولا يطلع على هذين السرين إلا قلائل من الذين يعتمد عليهم. ثم أخذ بيدي وأدخلني إحدى غرف الوزارة، ورأيت فيها عجبا، فهناك مائدة مستديرة حولها عشرة رجال (أحدهم) في زى السلطان العثماني وهو يتكلم التركية والانجليزية، (والثاني) في زي شيخ الإسلام في الاستانة، (والثالث) في زي الملك الفارسي، (والرابع) في زى عالم البلاط الشيعي، (والخامس) في زي عالم التقليد لأهل الشيعة في النجف. وهؤلاء يتكلمون باللغتين الفارسية والإنكليزية. وعند كل واحد من هؤلاء الخمسة كاتب من الكتاب يكتب مايقول، كما أنه هو بنفسه الطريق إلى أحد الخمسة حيث يزوده بالمعلومات التي تجمعها العملاء حول هؤلاء الخمسة من الاستانة و فارس و النجف
    قال السكرتير: إن هؤلاء الخمسة يمثلون أولئك الأصليين، صنعناهم على أمثلتهم لنرى كيف يفكر أولئك الخمسة، فإننا نزود هؤلاء الخمسة بالمعلومات التي تصلنا من الاستانة وطهران والنجف، وهؤلاء يجعلون من أنفسهم بمنزلة أولئك الخمسة الأصليين، ثم يجيبوننا عن كل ما نسألهم. وقد لاحظنا أن نتائج تفكير هؤلاء الخمسة تطابق سبعين في المئة تفكير أولئك الأصليين. وقال السكرتير: إن شئت جرّب الأمر فإنك قابلت عالم النجف
    قلت حسنا حيث كنت قد سألت بعض المسائل عن مرجع التقليد في النجف. تقدمت إلى البدل وقلت له: مولانا هل يجوز لنا نحن الشيعة أن نحارب الحكومة لأنها حكومة سنية شديدة التعصب؟
    تروى البدل قليلا وقال: لا يجوز لنا محاربتهم لأنهم سنة فإن المسلمين أخوة، ولكن يجوز لنا محاربتهم لأنهم يضطهدون الأمة، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى يرفعوا أيديهم عن إضطهادنا، وحينذاك نتركهم وشأنهم
    قلت: مولانا ما رأيكم في نجاسة اليهودي والنصراني؟ فهل هم أنجاس أم لا؟
    قال البدل: نعم أنهم أنجاس يجب الاجتناب عنهم
    قلت: ولم؟
    قال: هذا من باب المقابلة بالمثل فأنهم يروننا كفارا، وأنهم يكذبون نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، وكذلك نحن نقابلهم بالمثل
    قلت له: مولانا أليست النظافة من الإيمان؟ فلماذا رأيت قذارة الصحن الشريف والشوارع والأزقة؟ حتى أني رأيت القذارة في المدارس العلمية أيضا
    قال: النظافة لا شك أنها من الإيمان ، ولكن ماذا نصنع بقلة المياه وعدم اهتمام الحكومة بالنظافة؟
    كانت المفاجأة في أجوبة البدل أنها كلها كانت مطابقة لأجوبة العالم المرجع في النجف بدون زيادة او نقيصة، لكن كانت إضافة جملة (وعدم إهتمام الحكومة بالنظافة) في الجواب الثالث زيادة من البدل، حيث لم يذكرها الأصيل، وقد دهشتُ أيما دهشة لهذه البديلة المطابقة للأصل، فقد أجابني المرجع في النجف حيث سألته عن هذه الأسئلة بنفس هذه الاجوبة، وكان البدل يتكلم باللغة الفارسية كما كان المرجع في النجف يتكلم باللغة الفارسية أيضا
    قال لي السكرتير: ولو كنت واجهت الأربعة الأصليين الآخرين وتكلمت معهم، لكان لك أن تتكلم مع هؤلاء الإبدال لترى كيف أن هؤلاء الأبدال مثل أولئك الأصليين. قلت: إني أعرف كيفية تفكير شيخ الإسلام، لأن استاذي (الشيخ أحمد أفندم) نقل لي جملة وافية عنه. قال لى السكرتير: تفضل وتكلم مع البدل عنه. فتقدمت من البدل وقلت له: أفندم هل تجب طاعة الخليفة؟
    قال: نعم يا ولدي مثل وجوب طاعة الله ورسوله
    قلت: أفندم بأي دليل؟
    قال: ألم تسمع قول الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
    قلت: أفندم إذا كان الخليفة أولي الأمر فكيف يأمرنا الله بطاعة (يزيد)؟ الذي أباح المدينة المنورة لجيشه، وقتل الحسين سبط رسول الله، وكيف يأمرنا الله بطاعة (الوليد) الذي كان يشرب الخمر؟
    قال البدل: يا ولدي أن (يزيد) كان أمير المؤمنين من قبل الله تعالى وقد أخطأ في قتله الحسين وتاب، وأما أباحته للمدينة المنورة فقد كانت صحيحة لأنهم طغوا وبغوا وخلعوا الطاعة، وأما الوليد فكان يشرب الممزوجة بالماء والتي لا توجب له السكر وذلك جائز بالإسلام
    لقد كنت سألت هذه الاسئلة من شيخي (أحمد أفندم) وكان جوابه بنفس الأجوبة باختلاف يسير.
    قلت للسكرتير بعد هذه المقابلة: وما فائدة هذه التمثيلية؟
    قال: انا نعرف كيف يفكر السلاطين وعلماء المسلمين سنة وشيعة، ونضع الحلول المناسبة لمعاكستهم في القضايا السياسية والدينية، (مثلا) إذا عرفت أن عدوك يأتي من طرف المشرق كنت وضعت جنودك في ذلك الطرف لصده، وأما إذا لم تكن تعرف من أين يأتي العدو فقد تبعثر جنودك في كل إتجاه، وكذلك إذا عرفت وجه استدلال المسلم على مذهبه ودينه، تمكنت أن تضع الأجوبة الجاهزة لرده فتكون تلك الأجوبة كافية لخلخلة عقيدة المسلمين. ثم ناولني السكرتير كتابا ضخما من ألف صفحة فيه نتائج المناقشات والخطط التي جرت بين هؤلاء الخمسة الأصليين والخمسة الأبدال في الشؤون العسكرية والمالية والثقافية والمدنيية، وحملت الكتاب معي إلى الدار وقرأته من أوله إلى آخره في ثلاثة أسابيع مدة أجازتى وأمرني بإرجاع الكتاب بعد المطالعة، وعند قراءتي للكتاب دهشتُ لما حواه من الرد ودقة المناقشات وكأنها واقعية فكانت مطابقة الأجوبة – حسب معلوماتي – أكثر من سبعين بالمائة وإن كان السكرتير سبق وأن قال لي أن الأجوبة الصائبة من التمثيلية زهاء سبعين بالمائة. وقد ازددت وثوقا بمقدرة حكومتي وعلمت يقينا أن الإمبراطورية العثمانية مشرفة على الزوال في أقل من قرن حسب ما قدره الكتاب
    قال السكرتير لي: وهناك غرف أخرى فيها نظير هذه التمثيلية بالنسبة لسائر البلاد التي هى مستعمرة بأيدينا، أو ما تقصد الحكومة إستعمارها فيما بعد. قلت للسكرتير: من أين تحصلون على هؤلاء الأبدال بهذه الدقة والمقدرة؟
    قال: إن عملاءنا في كافة البلاد يزودوننا بكافة المعلومات بصورة مستمرة وهؤلاء الأبدال أخصائيون في هذه الناحية، ومن الطبيعى أنك إذا حصلت على معلومات كافية خاصة كما يعلمها (فلان) يكون نوع تفكيرك وإستنتاجاتك مثل تفكيره وإستنتاجاته، إذ تكون حينذاك نسخة طبق الأصل منه، وهذا هو السر الأول الذي أمرني الوزير إيقافك عليه. وأما السر الثاني فسوف أطلعك عليه بعد شهر حيث أتممت هذا الكتاب. ويقصد الكتاب ذا الألف صفحة الذي تقدمت الإشارة إليه
    لقد طالعت الكتاب بدقة وإمعان من الجلد إلى الجلد، وظهرت لي آفاق جديدة من المعرفة بأوضاع المحمديين كما ظهرت لي كيفية تفكيرهم، وأنهم كيف متأخرون وأن نقاط الضعف فيهم ماهي، كما ظهرت لي نقاط القوة في المسلمين وأنه كيف يلزم العمل لهدمها و تبديلها بنقاط الضعف
    فمن نقاط الضعف فيهم: الاختلاف بين السنة والشيعة، والاختلاف بين الحكام والشعوب، والاختلاف بين حكومتي (الأتراك والفرس) والاختلاف بين العشائر، والاختلاف بين العلماء والحكومة
    ومن نقاط الضعف فيهم: الجهل والأمية التي تكاد تستوعب كل المسلمين إلا نادرا
    ومن نقاط الضعف فيهم: خمول الروح وذبول المعرفة وفقدان الوعي
    ومن نقاط الضعف فيهم: ترك الدنيا كليا والتعلق بالآخرة والعمل لها وحدها
    ومن نقاط الضعف فيهم: دكتاتورية الحكام والاستبداد الشامل
    ومن نقاط الضعف فيهم: عدم أمن الطرق وإنقطاع المواصلات إلا بقدر قليل
    ومن نقاط الضعف فيهم: تدهور الصحة العامة حتى أن الطاعون والوباء يجتاحان البلاد بصورة مستمرة تقريبا يجرفان عشرات الألوف في كل وجبة
    ومن نقاط الضعف فيهم: خراب البلاد وانسداد الأنهر وقلة المزارع
    ومن نقاط الضعف فيهم : الفوضى في كل شؤون الإدارة فلا نظام ولا مقاييس ولا موازين ولا قوانين، فأنهم وإن كانوا كثيري الاعتزاز بالقرآن إلا أن العمل بقوانينه يكاد يكون معدوما
    ومن نقاط الضعف فيهم: تدهور الاقتصاد تدهورا مشينا فالفقر في كل مكان.
    ومن نقاط الضعف فيهم: عدم وجود جيوش نظامية بمعنى الكلمة وعدم وجود السلاح الكافي، ورداءة الموجود منه
    ومن نقاط الضعف فيهم: إحتقار المرأة وهضم حقها
    ومن نقاط الضعف فيهم: الوساخة والقذارة في الأسواق والشوارع والأجسام وفي كل مكان
    القسم الثالث
    وقد كان الكتاب يذكر بعد كل نقطة ضعف أن قانون الإسلام بالعكس، فاللازم إبقاء المسلمين في جهلهم حتى لا ينتبهوا إلى حقيقة دينهم، فقد ذكر الكتاب أن الإسلام
    يأمرهم بالاتحاد والألفة ونبذ الفوارق، ففي القرآن - واعتصموا بحبل الله جميعا
    ويأمرهم بطلب العلم، ففي الحديث - طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة
    ويأمرهم بالوعي، ففي القرآن - فسيروا في الأرض
    ويأمرهم بطلب الدنيا، ففي القرآن - ومنهم من يقول ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
    ويأمرهم بالمشورة، ففي القرآن - وأمرهم شورى بينهم
    ويأمرهم بتأمين السبل، ففي القرآن - فامشوا في مناكبها
    ويأمرهم بمعاهدة أبدانهم وصحتهم، ففي الحديث - إنما العلوم أربعة: علم الفقه لحفظ الأديان، وعلم الطب لحفظ الأبدان، وعلم النحو لحفظ اللسان، وعلم النجوم لحفظ الأزمان
    ويأمرهم بالعمران، ففي القرآن - وخلق لكم مافي الارض جميعا
    ويأمرهم بالنظام، ففي القرآن - من كل شيء موزون
    ويأمرهم بقوة الاقتصاد، ففي الحديث - من لا معاش له لا معاد له
    ويأمرهم بقوة الجيش والسلاح، ففي القرآن - وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
    ويأمرهم باحترام المرأة، ففي القرآن - ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف
    ويأمرهم بالنظافة، ففي الحديث - النظافة من الإيمان
    أما نقاط القوة التي ذكرها الكتاب وأمر بهدمها فهي
    أنهم لا يعيرون الاهتمام بالقوميات، والإقليميات واللغات والألوان وسوابق البلاد
    وتحرم عندهم الربا، والاحتكار، والبغاء، والخمر، والخنزير
    ويتعلقون بعلمائهم أشد التعلق
    ويحترم طائفة كبيرة من السنة (الخليفة) ويعتبرونه مثالا للرسول تجب طاعته كما تجب طاعة الله والرسول
    ويوجبون الجهاد
    ويرى أهل الشيعة نجاسة غير المسلم مهما كانت عقيدته
    ويعتقدون أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
    ويرى أهل الشيعة حرمة بناء الكنائس في بلاد المسلمين
    ويرى أكثر المسلمين وجوب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
    ويمارسون العبادات (الصلاة _الصوم _الحج) ونحوها ممارسة شديدة
    ويرى أهل الشيعة و جوب أعطاء الخمس، بدفعه إلى علمائهم
    ويتمسكون بالعقيدة الإسلامية تمسكا شديدا
    ويربون أولادهم تربية دقيقة على طريقة الآباء والأجداد، حتى ليستحيل الفصل للأبناء عن الآباء
    والمرأة عندهم في حجاب شديد حتى لا يمكن تسريب الفساد إليها
    وعندهم صلاة الجماعة التي تجمعهم في كل يوم مرات
    وعندهم المقابر للنبي وآله والصالحين فتكون مركز تجمعهم وانطلاقهم
    وفي أوساطهم كثرة من المنتسبين إلى الرسول (وأولاده) فتذكر بالرسول، ويجعل الرسول حيا في أعينهم
    وعند أهل الشيعة (الحسينيات) التي تجمعهم في مواسم خاصة فيقوى الواعظ الإيماني في نفوسهم ويحرضهم على العمل الصالح
    وعندهم يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    وعندهم استحباب الزواج وكثرة النسل وتعدد الزوجات
    وعندهم أن من هدى إنسانا إلى الإسلام كان له خير من أن يملك كل الدنيا
    وعندهم أن من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها
    وعندهم تقيم كبير للقرآن الكريم والحديث وإتباعها يوجب الجنة والثواب
    ثم أوصى الكتاب بتوسيع نقاط الضعف وطمس نقاط القوة، وذكر الأدلة الكافية لكيفية ذلك. يقول الكتاب في ما يمكن أن يعمل من أجل توسيع نقاط الضعف الآتي
    إن الاختلافات يمكن تكبيرها بتكثير سوء الظن بين الفئات المتنازعة ونشر الكتب التي تطعن في هذه الفئة وتلك الفئة، واللازم بذل المال الكافي في سبيل التخريب والتفرقة
    والجهل يمكن إبقاؤهم عليه بالمنع عن فتح المدارس ونشر الكتب، وإحراق ما يمكن إحراقه من الكتب، وصرف الناس عن إدخال أولادهم في المدارس الدينية بتلفيق الاتهامات ضد رجال الدين
    ويمكن إبقاؤهم في حالة ألا وعي بتزيين الجنة أمامهم وأنهم غير مكلفين بالحياة الدنيا، وتوسيع حلقات التصوف، وترويج الكتب الآمرة بالزهد مثل كتاب (أحياء العلوم) للغزالي ومنظومات (المثنوي) وكتب (ابن العربي).
    ويمكن تقوية دكتاتورية الحكام ببيان أنهم ظل الله في الارض وأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وبني أمية وبني العباس كلهم جاؤوا إلى الحكم بطريق القوة والسيف وحكموا فرديا (فابو بكر) جاء للحكم بسيف عمر وإرهابه وإحراقه للبيوت التي لم ترضخ للطاعة كبيت فاطمة بنت محمد.
    وعمر جاء إلى الحكم بوصية أبي بكر. وعثمان جاء إلى الحكم بأمر عمر. وعلي جاء إلى الحكم بانتخاب الثوار له. ومعاوية جاء إلى الحكم بالسيف، ثم توارث بنو أمية الحكم والسفاح جاء إلى الحكم بالسيف، ثم توارث بنو العباس الحكم... كل ذلك دليل على أن الحكم في الإسلام دكتاتوري
    ويمكن الإبقاء على عدم أمن السبل بإلهاء الحكام عن معاقبة اللصوص وتقوية جانب اللصوص وإعطائهم السلاح وإغرائهم بالعمل المستمر في طريق اللصوصية والغش
    ويمكن الإبقاء على حالتهم ألا صحية بنشر مذهب (القدر) فيهم وأن كل ذلك من الله، فلا فائدة من العلاج، ألم يقل الله تعالى في القرآن (الذي هو يطعمني و يسقيني وإذا مرضت فهم يشفيني) وألم يقل (والذي يميتني ثم يحييني) فالشفاء بيد الله، والموت بيد الله فلا سبيل للشفاء بدون إرادته ولا مهرب من الموت الذي هو قضاء الله و قدره
    والإبقاء على الخراب يساعد بما ذكرناه سابقا
    ويمكن الإبقاء على الفوضى ببيان أن الإسلام دين العبادة ولا نظام فيه ولذا لم يكن لمحمد ولا لخلفائه وزراء ولا أنظمة ولا إدارات ولا قوانين
    أما تدهور الاقتصاد فهو نتيجة طبيعية لما تقدم من التدهورات ويمكن زيادته بإحراق المحاصيل، وإغراق البواخر التجارية وإحراق الأسواق وكسر السدود بإستيلاء الماء على المزارع، وعلى البلاد و إلقاء السم في المشارب العامة
    ويمكن إلهاء الحكام في الفساد والخمر والقمار، وبتبذير الأموال في الأمور الشخصية لكي لا يبقى المال الكافي للسلاح ولأرزاق الجيش
    ويمكن إشاعة أن الإسلام أحتقر المرأة أليس في القرآن (الرجال قوامون على النساء) وأليس في السنة المرأة شر كلها؟
    أما الوساخة والقذارة فهى نتيجة طبيعية لشح الماء فاللازم الحيلولة دون زيادة الماء في البلاد بأي اسم كان. أما ما أوصاه الكتاب عن طمس نقاط القوة فقد أوصى الكتاب
    بلزوم إحياء النعرات القومية، والإقليمية واللغوية واللونية وغير ذلك بين المسلمين، كما أوصى بلزوم جلب إهتمام المسلمين إلى سوابق حضارات بلادهم، وأبطال شخصياتهم قبل الإسلام، كإحياء الفرعونية في مصر، وإحياء الثنوية في فارس، وإحياء البابلية في العراق إلى آخر القائمة الطويلة التي وضعها الكتاب بهذا الشأن
    كما يلزم إشاعة الأمور الأربعة التالية: الخمر والقمار والبغاء ولحم الخنزير إن جهرا وإن سرا.
    ثم أوصى الكتاب بلزوم التعاون الوثيق مع اليهود والنصارى والمجوس والصابئة الذين يقطنون في بلاد الإسلام في سبيل إحياء هذه الأمور وجعل مرتب من خزينة (وزارة المستعمرات) لأجل الموظفين الذين ينشرون هذه الأمور بين المسلمين. وجعل جوائز وإغراءات لكل من تمكن من أن يوسع من دوائر هذه الأمور الأربعة أكثر فأكثر. وأوصى الكتاب بلزوم حماية ممثلي حكومة بريطانيا العظمى لهذه الأمور علنا و سرا، وضرورة بذل ما يمكن في سبيل إنقاذ كل من يقع تحت وطأة عقاب المسلمين من الذين ينشرون هذه الأمور الأربعة. كما أوصى الكتاب بنشر(الربا) بكل صوره، فأنه بالإضافة إلى أنه هدم للاقتصاد الوطني، يساهم في جرأة المسلمين على خرق قوانين القرآن، ومن خرق قانونا سهل عليه خرق سائر القوانين. وقد أوصى الكتاب أنه من اللازم أن يبين المسلمين أن الحرام (هو الربا المضاعف) حيث يقول القرآن (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) وليس الربا بكل صوره حرام
    كما يجب تضعيف صلة المسلمين بعلمائهم بإلصاق التهم بالعلماء وإدخال بعض العملاء في زي العلماء، ثم يرتكبون الحرمات ليشتبه كل رجل دين عندهم هل أنه عالم أم عميل
    ومن المؤكد إدخال أمثال هؤلاء العملاء في الأزهر والاستانة والنجف وكربلاء، ومن طرق تضعيف صلة المسلمين بعلمائهم فتح المدارس لدراسة أطفال المسلمين بواسطة عملاء الوزارة ليربوا الأطفال على كره العلماء، وعلى كره الخليفة وذكر مساوئه وأنه منشغل بالملذات، وبصرف أموال الشعب في الفساد والترف، فهو ليس مثل الرسول في أي شأن من الشؤون
    ويلزم التشكيك في أمر الجهاد، وأنه كان أمرا وقتيا أنقضى بانقضاء زمانه
    ويلزم إخراج فكرة نجاسة الكفار عن نفوس أهل الشيعة، وبيان أن الله قال في القرآن (طعامكم حل لهم وطعامهم حل لكم) وأن الرسول كان له زوجة يهودية وهى صفية وزوجة نصرانية وهى مارية، ولا يمكن أن تكون زوجة الرسول نجسة
    ويلزم أن يعتقد المسلمين أن قصد الرسول بالإسلام (الدين) سواء كانت يهودية أو نصرانية لا (المحمدية) بدليل أن القرآن يسمي كل أهل دين مسلما ففي القرآن أن يوسف النبي قال توفني مسلما وقال إبراهيم وإسماعيل (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) وقال (يعقوب) النبي لبنيه فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون
    وكيف تحرم الكنائس والرسول وخلفائه لم يهدموها، بل أحترموها، وفي القرآن (ولولا أن دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات) والصوامع للنصارى، والبيع لليهود، والصلوات للمجوس، والإسلام يحترم محلات العبادة لا أنه يهدمها ويمنع عنها
    ويجب التشكيك في حديث (وأخرجوا اليهود من جزيرة العرب) وحديث (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) فأنه لو كان الحديث صحيحا، لم تكن زوجة الرسول يهودية ونصرانية، وزوجة الصحابي (طلحة) يهودية، ولم يفاوض الرسول نصارى نجران
    ويلزم صرف المسلمين عن العبادات، والتشكيك في جدواها فإن الله غني عن طاعة الناس، ويلزم المنع أشد المنع عن الحج، وعن كل إجتماع بين المسلمين، مثل (صلاة الجماعة) وحضور مجالس الحسين، والمسيرات الحزينة له، كما يلزم المنع أشد المنع عن بناء المساجد والمشاهد، والكعبة والحسينيات والمدارس
    ويجب التشكيك في الخمس وأنه خاص بالغنائم المستحصلة من دار الحرب لا في أرباح المكاسب، ثم الواجب إعطاء الخمس للنبي أو الإمام لا إلى العالم، بالإضافة إلى أن العلماء يشترون بأموال الناس الدور والقصور والدواب والبساتين، فلا يجوز شرعا دفع الخمس إليهم
    واللازم توهين صلة المسلمين بالإسلام بالتشكيك في العقيدة وإتهام الإسلام بأنه دين التخلف والفوضى، ولذا تخلفت بلاد الإسلام وكثر فيهم الإضراب والسرقة
    والواجب الفصل بين الآباء والأبناء حتى يخرج الأبناء من تحت تربية الآباء وعند ذلك تكون التربية بأيدينا نحن، وإذا خرجوا عن تربية الآباء لابد وأن ينفصلوا عن العقيدة وعن التوجيه الديني، وعن الصلة بالعلماء
    ويلزم إغراء المرأة بإخراجها عن العباءة بحجة أن الحجاب عادة بني العباس وليست عادة إسلامية أصيلة، ولذا كان الناس يشاهدون نساء الرسول وكانت المرأة تشترك في كل الشؤون وبعد إخراج المرأة عن العباءة لابد من إغراء الشباب بهن ليقع الفساد بينهما، واللازم أن تخرج النساء غير المسلمات من العباءة أولا حتى تقتدى بهن المرأة المسلمة
    ويجب تحطيم صلاة الجماعة بحجة فسق الإمام وإظهار مساوئه وبإثارة البقضاء بين الإمام وبين الذين يصلون معه بكل الوسائل والسبل
    وأما المقابر فاللازم هدمها بحجة أنها لم تكن في عصر النبي وأنها بدعة كما أن اللازم صرف الناس عن الزيارات بالتشكيك في كون هذه المقابر الموجودة للنبي والائمة والصالحين، فالنبي دفن عند قبر أمه، وأبو بكر وعمر دفنا في البقيع وعثمان مجهول قبره، وعلي دفن في البصرة، أما في النجف فهو قبر المغيرة ابن شعبة والحسين دفن رأسه في (حناقة) وجسده مجهول القبر، وفي الكاظمية قبر الخليفتين لا قبر الكاظم والجواد من آل الرسول، وفي طوس قبر هارون لا قبر الرضا من أهل البيت، وفي سامراء قبور بني العباس لا قبور الهادى والعسكرى والمهدى من أهل البيت، والبقيع يجب تسويتها مع الأرض كما يجب هدم كل القباب والأضرحة الموجودة للمسلمين في كل بلادهم
    أما آل الرسول، فاللازم الطعن في نسبهم والتشكيك في إنتسابهم إلى الرسول واللازم تلبيس غير آل الرسول للعمة السوداء والخضراء ليختلط الأمر على الناس ويسيئوا الظن بآل الرسول، ويشكوا في نسبهم، كما أن اللازم نزع العمائم عن رؤوس رجال الدين والسادة ليضيع نسب آل الرسول ولكى لا يتلقى رجال الدين الاحترام من الناس
    والحسينيات يجب هدمها وإتهامها بأنها بدعة وضلالة وأنها لم تكن في عهد الرسول وخلفائه، كما يجب منع الناس عن إرتيادها بكل الوسائل ويجب تقليل الخطباء وجعل ضرائب خاصة على الخطابة يدفعها الخطيب وصاحب الحسينية
    واللازم إشراب الحرية إلى نفوس المسلمين فلكل إنسان ما يريد من الأعمال فلا يجب الأمر بالمعروف، ولا النهى عن المنكر، ولا تعليم الاحكام ويلزم إلغائها (عيسى على دينه وموسى على دينه) وأن أحدا لا ينام في قبر أحد وأن الأمر والنهى خاص بالسلطان لا يعم الناس
    ويجب تحديد النسل وأن لا يتزوج الرجل أكثر من زوجة واحدة ووضع القيود على الزواج مثل أنه لا يحق لعربي أن يتزوج فارسية، وبالعكس، ولا لتركي أن يتزوج عربية وبالعكس
    ويجب أن يمنع منعا باتا التبشير بالإسلام والهداية إليه، وإشاعة أن الإسلام دين قومي ولذا قال القرآن وأنه لذكر لك ولقومك
    والسنن الحسنة يجب تضيق نطاقها وجعل أمرها بيد الدولة حتى أنه لا يحق لأحد أن يبني مسجدا أو مدرسة او مأتما أو غير ذلك من السنن الحسنة والصدقات الجارية
    كما أن اللازم التشكيك بالقرآن ونشر قوانين مزيفة فيها زيادات ونقائص بحجة أن القرآن زيد فيه ونقص منه، ويلزم إسقاط الآيات التي تسب اليهود والنصارى والكفار، وإسقاط آيات الجهاد والأمر بالمعروف وترجمة القرآن إلى اللغات المحلية كالتركية والفارسية والهندية والمنع عن تلاوة القرآن العربي في غير بلاد العرب، كما يجب منع الأذان، والصلاة والدعاء باللغة العربية في غير بلاد العرب، وكذلك من الضروري التشكيك في الأحاديث المروية وأن يعمل بها كما يعمل في القرآن من التحريف والترجمة والطعن
    لقد كان رائعا جدا ما وجدته في هذا الكتاب واسمه (كيف نحطم الإسلام) وكان أفضل برنامج لعملي في المستقبل، وقد قال لي السكرتير [حين أرجعت الكتاب اليه وأبديت إعجابي الشديد به]:
    أعلم إنك لست في الميدان وحدك بل هناك جنود مخلصون يعملون نفس عملك والذين جندتهم الوزارة إلى الآن لهذه المهمة أكثر من خمسة آلاف شخص، وتفكر الوزارة في أن تزيد عددهم إلى مائة ألف، ويوم وصلنا إلى تجنيد هذا العدد، فإنه هو اليوم الذي نستولي فيه على المسلمين كافة ونكون قد نسفنا الإسلام وبلاده نسفا كاملا، (ثم أردف السكرتير) قائلا: وأني أبشرك أن أقصى مدة تحتاجها الوزارة لتكميل هذه الخطة هى قرن من الزمان ولو لم نصل نحن إلى ذلك الزمان فإن أبناءنا سوف يرون ذلك بأم أعينهم وما أروع المثل القائل (غيرى زرع فأكلت وأنا أزرع حتى يأكل غيري) وإذا تمكنت سيدة البحار من نسف الإسلام والاستيلاء على بلاده فقد أرضى العالم المسيحى من تعب اثنى عشر قرنا كان المسلمون يطاردونه، ويهاجمون المسيحين.
    وقال السكرتير: إن الحروب الصليبية لم تكن ذات جدوى كما أن (المغول) لم ينفعوا في قلع جذور الإسلام لأن عملهم كان إرتجالا بدون حكمة وتخطيط وكانوا يعملون أعمالا عسكرية ظاهرة العدوان ولذا فأنهم أنحسروا بسرعة (أما الآن) فقد اتجه تفكير القادة من حكومتنا العظمى إلى هدم الإسلام من داخله تحت خطة مدروسة دقيقة وبصبر طويل ونهائى. صحيح انا نحتاج إلى الحسم العسكرى أخيرا لكن الحسم العسكرى سيأتي في المرحلة الأخيرة حيث نكون أنهكنا بلاد الإسلام وضربنا الإسلام بالمعاول في كل جوانبه، حتى صار لا يقوى على تجميع قواه ورد الحرب بالمثل (ثم أردف السكرتير أيضا) أن عظماء الاستانة كانوا على أكبر قدر من الفطنة والذكاء حيث عملوا بنفس الخطة التي قررناها نحن فقد تغلغلوا في أوساط المحمديين ففتحوا المدارس لتربية أولادهم وأسسوا الكنائس في أوساطهم ونشروا بينهم الخمر والقمار والدعارة وشككوا شبابهم في دينهم وأثاروا بين حكوماتهم النزاعات وأشعلوا هنا وهناك الفتن وملؤوا بيوت كبارهم بالحسناوات المسيحيات، حتى ضعفت شوكتهم وقل تمسكهم بدينهم ووهت وحدتهم وألفتهم وإذا بالعظماء يشنون عليهم حروبا عسكرية خاطفة فينقلع الإسلام عن جذوره في تلك البلاد.
    أطلعني السكرتير على السر الثاني الذي وعدني به و كنت متلهفا له خصوصا بعد أن ذقت طعم السر الأول ولم يكن السر الثاني إلا وثيقة في خمسين صفحة تتعرض للخطط الرامية إلى تحطيم الإسلام والمسلمين خلال قرن واحد، حتى يكون الإسلام خبرا بعد حقيقة، والوثيقة كانت موجهة إلى الرؤساء العامين العاملين في حقل الوزارة، لأجل هذا الشأن وهى كانت مركبة من بنود أربعة عشر، وقد حذرت الوثيقة من إفشائها وأمرت بكتمانها أشد الكتمان لكى لا يطلع عليها المسلمون فيأخذون الخطط المضادة، وحاصل الوثيقة هو
    أولا- التعاون الأكيد مع قياصرة روسيا للاستيلاء على المنطقة الإسلامية من بخاري وتاجكستان، وأرمينيا، وخارسان وما والاها، وهكذا التعاون الأكيد معهم في الاستيلاء على أطراف بلاد الترك المحادة لروسيا
    ثانيا- التعاون الأكيد مع فرنسا وروسيا في وضع خطة شاملة لتحطيم العالم الإسلامي من الداخل والخارج
    ثالثا- إثارة النزاعات والخلافات الشديدة بين الدولتين التركية والفارسية وإذكاء نار الطائفية والعرقية بين الجانبين، وإشعال النزاعات بين كل متجاورين من القبائل والشعوب الإسلامية وإثارة النزاعات بينها
    رابعا- إعطاء قطع من البلاد الإسلامية بيد غير المسلمين (1) يثرب لليهود (2) الإسكندرية للمسيحيين (3) يزد للزرادشت الباريسيين (4) عمارة للصائبة (5) كرمنشاه للذين يؤلهون على بن أبي طالب (6) الموصل لليزيدية (7) خليج فارس للهندوك بعد أن يستوردوا كميات كبيرة من الهند (8) طرابلس للدروز (9) قارض للعلويين (10) مسقط للخوارج (ثم) اللازم تقوية هؤلاء بالمال والسلاح والخطط والخبرة لتكون هذه الفئات أشواكا في جسم الإسلام ثم توسيع بلادها حتى تحطم كل البلاد الإسلامية
    خامسا- التخطيط لتبعيض حكومتي الإسلام التركية والفارسية إلى أكبر عدد ممكن من الحكومات المحلية الصغيرة المتنازعة كما هو الحال الآن في الهند، إنطلاقا من قاعدة فرق تسد، وفرق تحطم
    سادسا- زرع الأديان والمذاهب المزيفة في جسم بلاد الإسلام واللازم لذلك تخطيط دقيق بحيث يلائم كل دين من تلك الأديان مع هوى جمع من أهل البلاد (مثلا) اللازم زرع أربعة أديان في جسم بلاد الشيعة، دين يعبد الحسين ابن علي ودين يعبد جعفر الصادق، ودين يعبد المهدي الموعود، ودين يعبد علي الرضا، والمكان المناسب للأول (كربلاء) والثاني (أصفهان) الثالث (سامراء) والرابع (خراسان) كما أن اللازم جعل المذاهب الأربعة السنية أديان مستقلة لا ارتباط بعضها ببعض وإعادت الخلافات الدموية بينها، والدس في كتبها حتى يرى كل فئة منهم أنهم المسلمون فقط، وأن ما عداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم
    سابعا- نشر الفساد بين المسلمين بالزنا، واللواط، والخمر والقمار، وأفضل وسيلة لذلك هم أصحاب الأديان السابقة الباقية في هذه البلاد، فاللازم أن يكون منهم جيش كثيف لهذه الغاية
    ثامنا- الاهتمام لزرع الحكام الفاسدين في البلاد بحيث يكونون آلة بيد الوزارة يأتمرون بأوامرها وينتهون عن زواجرها، والضروري تسريب مـآربنا عبرهم إلى البلاد وإلى المسلمين، وإن أمكن أن يكون الحاكم غير مسلم واقعا فهو أفضل، وعليه فمن الضروري إدخال أفراد في الإسلام صورة ثم إيصالهم إلى مراكز الحكم لتطبيق المأرب بواسطتهم
    تاسعا- منع اللغة العربية حسب الإمكان، وتوسيع اللغات غير العربية مثل (السنكريتية) و (الباريسية) و (الكردية) و (البشنو) وإحياء اللغات الأصلية الدائرة في البلاد العربية، وتوسيع نطاق اللهجات المحلية المتفرعة عن العربية، والتي توجب قطع العرب عن اللغة الفصحى التي هى لغة القرآن و السنة
    عاشرا- زرع العملاء حول الحكام وإيصالهم إلى رتبة المستشارين لهم حتى يتسنى للوزارة النفوذ فيهم عبر المستشارين، ومن أفضل السبل لذلك العبيد والجواري ذووا الكفاءات العالية فاللازم تربية أولئك في الوزارة ثم بيعهم في أسواق النخاسة إلى المقربين من الحكام، كأولاد الحكام، وزوجاتهم، وذوي الرأي لديهم حتى يتقربوا إلى الحكام تدريجيا، ويكونوا بعد ذلك أمهات الحكام ومستشاريهم، فيحيطوا بهم كالسوار بالمعصم
    حادي عشر- توسيع نطاق التبشير بإدخال المبشرين في كل صنف خصوصا المحاسبين والأطباء والمهندسين، ومن إليهم وزرع الكنائس والمدارس، والمصحات ودور الكتب، والجمعيات الخيرية في عرض بلاد الإسلام وطولها ونشر ملايين الكتب المسيحية في أوساط المسلمين مجانا وبلا عوض والاهتمام لوضع التاريخ المسيحى بجانب التاريخ الإسلامي، وزرع العملاء والجواسيس في الأديرة والصوامع باسم الرهبان والراهبات مهمتهم تسهيل الإتصالات والتحركات المسيحية واستطلاع حركات المسلمين وأوضاعهم وشؤونهم (كما) أن اللازم تكوين جيش كثيف من العلماء من أجل تشويه تاريخ المسلمين والدس في كتبهم بعد الاطلاع الكامل على أحوالهم وأوضاعهم
    ثاني عشر- تمييع شباب المسلمين بنات وأولادا وتشكيكهم في دينهم وتفسيد أخلاقهم عن طريق المدارس والكتب والنوادي والنشرات والأصدقاء من غير المسلمين الذين يهيئون لهذا الشأن، فمن الضرورى تكوين جمعيات سرية من شباب اليهود والنصارى وغيرهما من أجل أن يكونوا مصائد لصيد شباب المسلمين بكل الطرق
    ثالث عشر- إشعال الحروب والثورات الداخلية، والحدودية بين المسلمين وغير المسلمين، وبين المسلمين أنفسهم على طول الزمان لتستنفذ قوى المسلمين وتشغلهم عن التفكير في التقدم، وتوحيد الصف، ولتستنزف طاقاتهم الفكرية ومواردهم المالية وتفني شبابهم وذوي النشاط منهم وتنشر الفوضى والإرباك والشغب فيهم
    رابع عشر- تحطيم كل أنواع إقتصادياتهم من مزارع ومعاش وتهديم السدود وطمس الأنهر والسعى لتفشي البطالة فيهم بتنفيرهم عن العمل، وفتح محلات للبطالة وتكثير مستعملي الأفيون وسائر المواد المخدرة
    وقد كانت هذه البنود مشروحة شرحا وافيا، ومزودة بالخرائط والصور والأشكال.
    شكرتُ السكرتير على تزويده لي بصورة من هذه الوثيقة وبقيت في لندن مدة شهر أخر حتى أتتنا أوامر الوزارة بالتوجه إلى العراق مرة أخرى، لتكميل الشوط مع (محمد عبدالوهاب) وقد أمرني السكرتير بأن لا أفرط في حقه مقدار ذرة حيث قال أنه حصل من مختلف التقارير الواردة اليه من العملاء أن الشيخ أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطية لمآرب الوزارة. ثم قال السكرتير: تكلم مع الشيخ بصراحة. وقال أن عميلنا في أصفهان، تكلم معه بصراحة، وقبل الشيخ العرض على أن نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لابد وأن يهاجموه بكافة السبل حينما يبدي آرائه وأفكاره، وأن يزوده بالمال الكافي والسلاح إذا إقتضى الأمر ذلك، وأن نجعل له إمارة ولو صغيرة في أطراف بلاده (نجد) وقد قبلت الوزارة كل ذلك
    لقد كدتُ أخرج عن جلدى من شدة الفرح بهذا النبأ، قلت للسكرتير: إذن فما هو العمل الآن؟
    وبماذا أكلف الشيخ، ومن أين أبدأ؟ قال السكرتير: لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لأن ينفذها الشيخ وهي:
    1-) تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة، رجالهم جعلهم عبيدا ونسائهم جواري
    2-) وهدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية إن أمكن ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم
    3-) والسعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضا محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم
    4-) وهدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي (محمد) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسر
    5-) ونشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه
    6-) ونشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيصة
    قال السكرتير لي بعدما بيّن البرنامج المذكور: لا يهولنك هذا البرنامج الضخم فإن الواجب علينا أن نبذر البذرة وستأتي الأجيال الآتية ليكملوا المسيرة، وقد إعتادت حكومة بريطانيا العظمى على النفس الطويل، والسير خطوة خطوة، وهل محمد النبي إلا رجل واحد تمكن من ذلك الانقلاب المذهل؟ فليكن (محمد عبد الوهاب) مثل نبيه (محمد) ليتمكن من هذا الانقلاب المنشود
    بعد أيام استأذنت الوزير والسكرتير، وودعت الأهل والأصدقاء، وحين أردتُ الخروج قال ولدي الصغير: بابا أرجع بسرعة فأنهمرت عيناى، ولم أتمكن إخفاء ذلك عن زوجتى، وقبلتها وقبلتني قبلات حارة، وخرجت قاصدا نحو البصرة، وبعد سفرة مضنية وصلت إليها ليلا، وذهبت إلى دار (عبد الرضا) وكان نائما، ولما رآني رحب بي واستقبلني استقبالا حارا ونمت هناك حتى الصباح وقال لى: إن الشيخ محمد رجع إلى البصرة ثم سافر وأودع عندي كتابا موجها إليك. وفي الصباح قرأت الكتاب وإذا به يخبرني فيه أنه سافر إلى نجد، وقد ذكر عنوان محله في نجد، فسافرت في الصباح وجهة نجد ووصلتها بعد مشقة بالغة وجدت الشيخ محمد في داره، وقد ظهرت عليه آثار الضعف فلم أبح له بشيء، ثم تبين لي فيما بعد أنه تزوج وأنه ينهك قواه مع زوجته، فنصحته بالإقلاع فسمع كلامي، وقد صار القرار أن أجعل نفسي عبدا له قد إشتراه من السوق وأن العبد الآن جاء من السفر، وهكذا كان، فشهر عند أصدقائه أني عبده إشتراه من البصرة وأنه كان في سفر أمره بذلك السفر وأنه جاء الآن، وتلقاني الناس بهذا الاسم وبقيت عنده سنتين وهيأنا الترتيب اللازم لإظهار الدعوة. وفي سنة 1143 هجرية قويت عزيمته وقد جمع أنصارا لا بأس بهم فأظهر الدعوة بكلمات مبهمة والفاظ مجملة لأخص خواصه، ثم جعل يوسع رقعة الدعوة، وألففت أنا حوله عصابة شديدة المراس زودناهم بالمال وكنت أشد عزيمتهم كل ما أصابهم خوف من أجل مهاجمة أعدائه له، وكلما أظهر الدعوة أكثر صار أعدائه أكثر، وأحيانا كان يريد التراجع من ضغط بعض الإشاعات ضده، لكني كنت أشد من عزيمته، وأقول له: أن محمد النبي رأى أكثر من ذلك وأن هذا طريق المجد وأن كل مصلح لابد وأن يتلقى العنت والإرهاق
    وهكذا كنا مع الأعداء بين الكر والفر وقد وضعتُ على أعداء الشيخ جواسيس اشتريتهم بالمال، فكلما أرادوا إثارة فتنة أخبرنا الجواسيس بقصدهم فنتمكن من قلب الخطة، وذات مرة أُخبرتُ أن بعض أعدائه أرادوا إغتياله فوضعتُ الترتيبات اللازمة لإفشال الخطة، ولما ظهر قصد أعدائه بإرادتهم (إغتيال الشيخ) أنقلبت الخطة عليهم وأخذ الناس ينفرون منهم
    لقد وعدني (الشيخ) بتنفيذ كل الخطة السداسية إلا أنه قال: أنه لا يتمكن في الحال الحاضر إلا على الإجهار ببعضها وهكذا كان، وقد استبعد الشيخ أن يقدر على (هدم الكعبة) عند الاستيلاء عليها، كما لم يبح عند الناس بأنها وثنية وكذلك استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد وكان أشد خوفه من السلطة في (مكة) وفي (الاستانة) وكان يقول: إذا أظهرنا هذين الأمرين لابد وأن يجهز إلينا جيوش لا قبل لنا بها، وقبلت منه العذر لأن الأجواء لم تكن مهيئة كما قال الشيخ
    بعد سنوات من العمل تمكنت الوزارة من جلب (محمد بن سعود) إلى جانبنا فأرسلوا إليه رسولا يبين لي ذلك ويظهر وجوب التعاون بين (المحمدين) فمن محمد عبد الوهاب الدين ومن محمد السعود السلطة، ليستولوا على قلوب الناس واجسادهم، فإن التاريخ قد أثبت أن الحكومات الدينية أكثر دواما وأشد نفوذا وأرهب جانبا. وهكذا كان وبذلك قوي جانبنا قوة كبيرة وقد اتخذنا (الدرعية) عاصمة للحكم (والدين الجديد) وكانت الوزارة تزود الحكومة الجديدة سرا بالمال الكافي كما اشترت الحكومة الجديدة في الظاهر عدة من العبيد كانوا خيرة ضباط الوزارة الذين دربوا على اللغة العربية والحروب الصحراوية فكنت أنا وإياهم (وعددهم أحد عشر) نتعاون بوضع الخطط اللازمة وكان (المحمدان) يسيران على ما نضع لهما من الخطط، وكثيرا ما نناقش الأمر مناقشة موضوعية إذا لم يكن أمر خاص من الوزارة
    وقد تزوجنا جميعا من بنات العشائر، وقد أعجبنا بإخلاص المرأة المسلمة لزوجها وبذلك اشتبكت أواصر الصلة بيننا وبين العشائر أكثر فأكثر والأمر الآن يسير من حسن إلى أحسن، والمركزية تتقوى يوما بعد يوم وإذا لم تقع كارثة مفاجئة فقد بذرت البذرة الصالحة لأن تنمو وتنمو حتى تؤتي الثمار المطلوبة
    ***
    نهاية كتاب مذكرات همنفر الجاسوس البريطاني مع الوهابية
يعمل...
X