إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تعري رواية «الأعظم» تاريخ الاستبداد الجزائري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعري رواية «الأعظم» تاريخ الاستبداد الجزائري



    رواية «الأعظم» تعري تاريخ الاستبداد الجزائري
    السعدي: انخراطي الإبداعي في فضاء الثقافة العربية ليس مهنة بل مهمة تاريخية
    أزراج عمر
    يعتبر إبراهيم سعدي من الروائيين الجزائريين المعاصرين البارزين، وقد وصفه الروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار”قديس″ الأدب الجزائري ومتصوف الثقافة الجزائرية وشبهه بالروائي المصري صنع الله إبراهيم من حيث الصرامة في الكتابة، ومن حيث احترام غيره. فإبراهيم سعدي أستاذ الفلسفة والأدب العربي بالتعليم العالي الجزائري ويحمل شهادة الدكتوراه من جامعة السربون الفرنسية العريقة.
    صدرت للكاتب ابراهيم سعدي عدة كتب في الرواية والنقد الأدبي منها على سبيل المثال: “مقالات ودراسات في الرواية” و”الوطن العربي: نظرات في الثقافة والمجتمع″ و”فتاوى زمن الموت” و”بوح الرجل القادم من الظلام” التي نال عنها جائزة مالك حداد للرواية، ورواية “الأعظم” التي رشحت لجائزة البوكر العالمية والمنشورة في عام 2010 أي قبل انفجار الثورات العربية ضد الاستبداد والديكتاتورية. يذكر أن الروائي إبراهيم سعدي من أصل أمازيغي وأن انخراطه الإبداعي في فضاء الثقافة العربية ليس مهنة وإنما هو مهمة وتلبية لنداء التاريخ والحضارة.
    «وطار» رومانتيكي لا يملك النظرية
    في هذا اللقاء الذي جمعني به لنناقش معا بعض ملامح تجربته الأدبية بالتركيز على روايته “الأعظم ” سألته في البداية عن مناخ الحياة الإبداعية والفكرية الجزائرية في مرحلة السبعينات من القرن العشرين التي شهدت البداية الأولى لبروزه شخصيا في الساحة الأدبية فأوضح لي: “أن تلك الفترة كانت فترة الإيمان بمعنى التاريخ، وكان المثقفون الجزائريون حينذاك يساريين اشتراكيين”، كما أن “تلك المرحلة كانت مطبوعة بالطابع الإيديولوجي في مجالات النقد والإبداع ولكنني لم أساير هذا الاتجاه في كتاباتي الروائية. في تلك المرحلة كانت لنا عواطف اشتراكية ولكننا لم نكن مطلعين تمام الإطلاع على الفكر الاشتراكي” ويعني إبراهيم سعدي أن العاطفة الاشتراكية كانت هي الغالبة ومن النماذج الدالة على ذلك حسب رأيه الروائي الطاهر وطار “الذي كان اشتراكيا دون أن يكون متشبعا بالفكر الماركسي جراء تكوينه الديني باعتباره خريج جامع الزيتونة”.
    يعتبر إبراهيم سعدي أن أهم روائيين جزائريين باللغة العربية في تلك المرحلة هما الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة اللذين كانت أعمالهما الأدبية “متميزة سياسيا و بصبغة رومانتيكية اشتراكية علما أنهما لم يكونا متمكنين بالفعل من النظرية الاشتراكية”. وبخصوص علاقة الأيديولوجيا بالأدب يرى سعدي أن “الأيديولوجيا و الفن لا يلتقيان وأعتقد بأن طغيان الأولى على العمل الأدبي يسيء إليه ويحوله إلى خطاب دعائي سياسي، لا يعني ذلك أنني أدعو إلى غياب الرسالة في النص الأدبي التي ينبغي أن تتزامن مع توفر الشروط الجمالية”. هنا سألته عن الفرق بين النزعة السياسية والنزعة الإيديولوجية في علاقاتهما بالنص الروائي اللذين كثيراً ما يتم الخلط بينهما في النقد العربي المعاصر فأوضح على ضوء تجربته الروائية قائلا: “أعتقد أن الطابع السياسي هو أن نتحدث عن المواضيع المرتبطة بالسياسة، أما الأيديولوجيا فهي تعبير عن الميول والقيم والعقائد من موقف متحيز.
    ففي أعمالي الروائية التي تحدثت فيها عن العنف والإرهاب لم أستعمل خطاباً يدين هذه الشخوص بل فقط حاولت قدر الإمكان أن أصورها بموضوعية، وبالتالي فإنني لا أحاول أن أقنع القارئ وإنما أتركه يحكم بنفسه وهذا يعني أنني أترك مسافة بيني وبين شخوصي حتى لا يبدو وكأنني من يوجهها و يحركها أو يوظفها لكي تؤدي رسالة إيديولوجية ما”.
    حينما يستولي الحكم على الحاكم
    وعن كتابته لروايته “الأعظم” التي كرسها لنقد الديكتاتورية في المجتمعات العربية بشكل خاص وفي المجتمعات الأخرى بشكل عام فإن الروائي إبراهيم سعدي قد أفضى لي بما يلي عن دواعي كتابته لها وعن وتضاريس بنيتها بأنه من حيث شكلها هي تحقيق ينجزه كاتب صحفي أجنبي عن شخصية “العظم”، وهذا الكاتب الذي كان يتعاطف مع ثورة “المنارة”، بعد أن خابت آماله فيها بعد الاستقلال، يعتمد في ذلك على شهادات أشخاص عرفوا “الأعظم” عن كثب وعدد هؤلاء ثلاثة، أولهم كان رفيق سلاح لــ”العظم” والثاني مستشاره قبل تعرضه للنفي من قبله إلى بلد أوروبي وأخيرا هناك والدة هذا المستشار التي عرفت “الأعظم” وكذا عائلته أيام كان طفلا صغيرا، فكل ما نعرفه عن هذا الديكتاتور قد ورد على لسان هؤلاء الشهود الثلاثة.
    لقد تعمدت ألاَ أجعل الأحداث تجري في بلد عربي معين، ولذلك أطلقت عليه اسم بلد “الأعظم” أي “المنارة” كما تفاديت جعل الشخوص تحمل أسماء متداولة في بلد بعينه، فكانت هناك أسماء مصرية وسورية وجزائرية إلخ، والغاية من ذلك هي الإشارة إلى أن الديكتاتورية ظاهرة عربية عامة بامتياز .
    في الحقيقة لقد اشتغلت في الصحافة الجزائرية وكنت دائما أهتم بالمواضيع السياسية وتبعا لذلك فقد عشت مرحلة ظهور القيادات السياسية في الجزائر وفي العالم العربي ككل وأعني بذلك ظهور الحاكم الذي يحتكر السلطة إلى أن يدركه الموت ومن هذه القيادات بكل صراحة معمر القذافي في ليبيا وحسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن وزين العابدين بن علي في تونس. لكن يبدو لي أن هذه الظاهرة قد بدأت تختفي في بعض بلداننا ولكن يبدو أنها تبدأ الآن في الجزائر، فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد قضى 14 سنة في الحكم ومن المحتمل جدا أن يطلب عهدة أخرى و بذلك ستعيد الجزائر ظاهرة الديكتاتورية إلى المسرح السياسي. وهكذا تعاملت مع ظاهرة الديكتاتورية كروائي بالدرجة الأولى، فالشخصيات أو القيادات العربية الديكتاتورية هي التي أصبحت بالفعل شخصيات روائية من حيث غرابتها وسلوكياتها ولكي نعرف العوامل التي أدت إلى ظهور شخصية المستبد لابد أن نفهم المجتمعات العربية بعمق وأعتقد أن هذه المجتمعات لم تدرس دراسة علمية كما يقول محمد أركون.
    فالتاريخ الإسلامي هو تاريخ الاستبداد واحتكار الحكم وأن الحكام الديكتاتوريين عندنا هم استمرار لنماذج تاريخية عرفتها المجتمعات العربية التي لا تزال تقليدية ومتخلفة، وفي هذا السياق يلاحظ إبراهيم سعدي أن “هناك ديناميكية للاستبداد نفسه أو الإنسان الذي يبقى في الحكم لمدة تتجاوز فترة معينة تنشأ عنها حالة استبدادية بسبب عدم التخلي عن الحكم، وأنه جراء هذا يمكن للحكم أن يستولي على الحاكم و لذلك فإنه من الضروري أن ننقذ الحكام من هذا الخطر المحدق بهم ألا وهو أن يصبحوا عبيدا للسلطة”، ومن جهة أخرى يفسر الدكتور إبراهيم سعدي عدم تعرض روايته “العظم” للمصادرة من طرف النظام الجزائري بقوله أنه “صحيح أن هذه الرواية لم تتعرض لأي شكل من أشكال للمصادرة ولكن يمكن القول بأنها تعرضت لمؤامرة الصمت.
    إن قتل الكاتب يتم بطرق متعددة، وقد حدث أن دعيت إلى لقاء تلفزيوني حول هذه الرواية بالذات ولكن بعد قراءتها من طرف هذا الجهاز تمَ التراجع عن فكرة عقد اللقاء معي. ولقد حدث هذا بعد بضعة أيام من سقوط زين العابدين بن علي، وذلك لا يمنع من القول بأنه توجد، على ما أظن، حرية تعبير في الجزائر، وهي المكسب الوحيد المتبقي من مظاهرات 1988. فالنظام قد احتفظ بالمهم، ألا وهو السلطة، أما الكلام أو الكتابة فأنت تستطيع أن تقول ما شئت، وقد تفضي الأمور إلى مثل هذا في تونس وفي غيرها في نهاية المطاف، لا قدر الله”.
يعمل...
X