إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحث ( مفيد عبد الهادي نحلة ) أديب وكاتب وقاص أردني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الباحث ( مفيد عبد الهادي نحلة ) أديب وكاتب وقاص أردني

    مفيد نحلة
    ولد مفيد عبد الهادي نحلة في بيت نتيف/ الخليل عام 1939، تخرج من جامعة دمشق عام 1964 حاصلاً على ليسانس في الآداب، وحصل عام 1970 على ماجستير ودبلوم تربية من الجامعة الأردنية، عمل خلال السنوات 1960-1980 في حقل الإدارة التربوية في وزارة التربية والتعليم، ومنذ عام 1960 وعمل بالإضافة لذلك في الصحافة الأردنية، بالإضافة للكتابة الإذاعية والتلفزيونية، وهو مؤسس رابطة الكتاب الأردنيين وعضو في هيئتها الإدارية لأكثر من دورة، كما أنه عضو في اتحاد الكتاب العرب، ورابطة الطفولة العربية، وجمعية السماعنة الخيرية.
    ومن أبرز الفعاليات الثقافية التي شارك بها: ندوة ثقافات الشعوب النامية المنعقدة في أمستردام عام 1995، وندوة النقد الأدبي المنعقدة في الجزائر عام 1987، وندوة اتحاد الكتاب والأدباء العرب المنعقدة في جامعة عدن عام 1980.
    مؤلفاته:
    حكاية للأسوار القديمة (قصص) عمان: جمعية عمال المطابع التعاونية، 1973.
    أصول تاريخية (دراسات) عمان: (د.ن) 1973.
    الرحيل (رواية) عمان: جمعية عمال المطابع التعاونية، 1979.
    يد القوامل (قصص) عمان، (د.ن) 1979.
    طفال القدس القديمة (رواية للأطفال) عمان: السفارة العراقية، 1979.
    رمال على الطريق (قصص) عمان: رابطة الكتاب الأردنيين، 1982.
    الفرسان والبحر (رواية للأطفال) بغداد: دار ثقافة الأطفال، 1983.
    الأطفال يحبون الأرض كثيراً (رواية للأطفال) عمان: دار آسيا، 1984.
    والذين لا مأوى لهم (قصص) عمان: دار آسيا، 1985.
    .طائر الفرح (رواية للأطفال) عمان: صندوق العمل الاجتماعي، 1986.
    الطريق إلى القدس (رواية للأطفال) دار الكرمل، عمان، 1988.
    غالية (رواية) عمان: دار الكرمل بدعم من وزارة الثقافة، 1995.
    أبعد من ذاكرة المدينة (رواية) دار الكرمل، عمان، 2000.
    قصة:
    "حمدان"
    يعبر حدود الصفر
    *مفيد نحلة
    في بدايات شهر يناير -كانون الثاني-
    هبت رياح شديدة على البيوت الطينية في الحي الغربي..
    القريب من مقبرة المدينة..
    اقتلعت الريح الأعمدة الخشبية من وسط البيوت.. رفعت السقوف البوصية إلى أعلى ثم ألقتها وراء المقبرة، خرج الناس يحملون بعض متاعهم، تطايرت بقايا الأرغفة المحشوة في البطاطين والملاءات الكتانية، ركض الأطفال يحتمون خلف جدران المقابر. اتخذت النسوة من هذه الجدران مساكن مؤقتة. دار الرجال على أنفسهم قليلاً.. لكن الريح لم تتوقف.. فكروا جميعاً في الأمر؟.
    قال أحدهم: الليل مظلم..
    قال آخر: لم يبق لناعيش في هذه المدينة..
    قال ثالث: لن نغادر المدينة أبداً..
    قال رابع: ندخل المقابر إذن..
    "أيقن الرجال جميعاً أن هذا الحل قاس لدرجة أنهم راحوا يحدقون طويلاً تحت جدران المقابر..."
    - أيدفن هؤلاء وهم أحياء..
    - ثم أي قبر يختارون..
    - كل القبور القديمة لا تتسع إلا لميت واحد..
    "لم يبق إذن إلا قبر مسعود.. إنه قبر حديث.. وقد رقد فيه صاحبه قبل ثلاثة أيام.."
    صمت الجميع..
    واشتدت الريح..
    أتت على كل شيء.. تبعثرت الطناجر والصحون في كل اتجاه.. صرخ الأطفال.
    بكت العجائز.. وترقب الشيوخ طلوع الفجر بفارغ الصبر..
    وطال الليل...
    اختبأ الناس جميعاً تحت الجدران الواطئة...
    حمل حمدان طفله الصغير، نبش بيديه باب القبر المجاور، دفع جسمه الثقيل في جوف العتمة. ارتطم وجهه برأس مسعود... تحسس زاوية القبر، حشر جسده فيها... كانت عتمة القبر رهيبة..
    وازدادت وحشة القبر حين ساد صمت غريب...
    أيقن حمدان أن الريح التي كانت تهب فوق الأرض قد تلاشت ضمن حركة الفصل العجيبة التي تمت خلال لحظات..
    شعر أن الزمن بدأ يتراجع إلى الوراء... وأن حالات من اللا وعي تحركت ضمن إحساساته الإنسانية نظر إلى عيني طفله..
    لم ير شيئاً... حجبت المسافات الزمنية كل شيء أمامه... وانطلقت رحلات القوافل الآتية تعبر شقوق القبر الجامدة... سمع حركات العناكب والديدان الزاحفة على جسم مسعود تتراجع قليلاً في انتظار توقف حركته الطفيلية..
    - حمدان..
    - هل أنت خائف؟
    - الزمن لم يتوقف فوق الأرض.. أنت الذي اختار حياة القبور على شدة الريح وغزارة المطر..
    - اصبر قليلاً حتى يطلع الفجر..
    - لم أعد أميز بين إشراقة الشمس وظلمتها في هذه العتمة الأزلية..
    - من قال إن ساكني القبور يعرفون وقتاً تندثر فيه سحب الظلام عن رؤوسهم؟
    قال الطفل الصغير:
    - أين نحن يا أبي؟
    - آه لو تعلم يا بني حقيقة ما يجري هنا، لمت خوفاً..
    ورد الأب في عطف.. ألم تهدأ الريح.. بعد ساعات سنخرج من هنا..
    هات رأسك الصغير... ضعه على ركبتي إذا كنت بحاجة للنوم...
    لم يتردد الطفل وراح يغفو..
    أسند حمدان ظهره إلى الجدار البارد... أحس بحرج بينه وبني نفسه، هل يفتح الباب ويخرج للدنيا، أم يظل حتى تهدأ الريح. اقترب من الباب، تراجع، مد يده، نبش التراب العالق بالحصى والحجارة، توقف، كان متردداً، زحف شيئاً فشيئاً، وضع أذنه على الفتحة الترابية، سمع خريراً، تراجع، أيقن أن العاصفة لم تتوقف بعد عاد ومد قدميه حتى لامستا كفن مسعود، سحبهما قليلاً حين أحس بزحف النمل يتوقف تثاءب.. رفع رأسه المثقل بالتعب وأسنده على راحته...
    - لا تنم يا حمدان، فأنت شاهد في قضايا كثيرة.. ذات مرة عرضت نفسك للشمس.. لقد بعت جسدك لشيء يفني... تماماً كما هو الصخر والأرض والماء...
    - ذلك ما حدث فعلاً...
    "قلت في نفسي: إن ليس غير الشمس جديراً بدمي ولحمي.. لأنها بنورها هي الطهارة والثورة.. ولأنها سخرت من الظلام وقهرته.."
    - ولما جاءت ساعة السير العظيم سرت... وارتحلت وراء الخلق المطلق... فاندفعت إلى الذرواء... وعزمت على البقاء في ظلال هذا التكوين... ثم بعد ذلك سرقت...
    - ذلك ما حدث أيضاً...
    "سرقت الصخر الذي لا يستحي... وأخذت من بكارة الأرض ما عزمت على ذلك، فابتنيت لأطفالي العشرة كوخاً من القصب والطين.. وحين حملت فأسي وبدأت أبني سوراً تحامل الناس علي وقالوا بصوت مختنق: أنت خارج عن نواميس الأهل والعشيرة.. اقتلوا من خرج عن هذه النواميس... وأن من يبني سوراً حول بيته يخشى التجرد... ويجبن عن الصدق والعراء، وما استحيا من كشف النفس إلا من كانت نفسه في قبح العورة.".
    - وتصديت لهم.. رفعت هامتك في عيونهم... فقتلت..
    - ذك حق لي..
    "دفعني فقري إلى ذلك... تطلعت إلى ألسنة أطفالي المتشققة وراء الكوخ، فحملت معولي... وقتلت.. قتلت الروح الشريرة الساكنة في أجساد الآدميين من حولي.."
    - ألم يقتل أصحاب الحكمة أرواحاً شريرة حين بعثوا للحق وحين اندحر الشر، تراجع أولئك والتفوا من حولي.. رأيتهم يصفقون لكل رغيف يخرج من تحت النار...
    كانت الأرغفة تتوالى
    وكان العد يتصاعد...
    شبعت البطون... وفرح الأطفال...
    - وأنت.. لماذا لم تشاطرهم فرحتهم..
    كنت أنعم بأسطورة الرحيل... جاء رحيلي بعد تناول مسبق عن الحياة..
    وخشيت أن تنقلب الحركة وأميل والشوق إلى صخرة وقوف... لكني فرحت مرة أخرى حين وافيت هذا السرد الترابي..."
    صرخ الطفل وبكى...
    سحب "حمدان" قدميه... تناثرت حبات العرق على جبينه، أحنى رأسه قليلاً...
    قال في نفسه: ربما هدأت العاصفة.. أو سكنت ريح الأرض... هل يخرج...؟
    مد الطفل يديه...
    تحسس لحية أبيه الخشنة، قال: هل يطول بقاؤنا هنا..
    - سيتحول العجز فينا إلى قوة يا بني... ثم نخرج، هيا بنا إذن...
    - توقف يا حمدان... فأنت شاهد ولم ينته دورك بعد...
    "وأنت يا مسعود.. راقبناك طويلاً تحفر بيديك قبرك هذا... فلم فعلت ذلك قبل الفوز بالنهاية..."
    - كرهت من قبل البيوت الثابتة لا تنتقل ولا تتحرك، واصلت حياتي في طريق يتنامى لأنني آمنت بالارتقاء غير المحدود نحو المطلق..
    ولما تحرك الزيف من حولي، وتحجر الوجود كله من حول أطفالي.. وقادني ذلك كله إلى الاستقرار، وحين أحسست بنهاية الطريق، عجلت في البحث عن مكان تحت الأرض يمكن أن أجد فيه راحتي الأزلية...
    فكان القبر.. أليس كذلك... لقد خالفت نظم الحياة وتركت علامة فارقة كتلك العلامات المسيئة في تاريخ البشر...
    - كنت تراهن على نفسك إذن..
    - بل كنت كالمسافر يتوق إلى الواحة الظليلة... وحين قطعت المسافات تبين لي أن ما رأيت كان سراباً ما ينفك يبتعد ويتلاشى...
    "أشعر الآن أن الحواجز قد زالت... وأن رهبة الجوع قد تلاشت... أعلم أنها بقيت على الأرض وأن أهل الأرض قادرون على التحكم في مسيرة الحياة كيف يشاؤون".
    - خذوا عني هذه الأثواب.. فقد صرت في غنى عنها... ولأنها ما تبقى من زيف أهل الأرض... وانزعوا قشرة التراب من حول أظافري فأني في شوق للراحة.. صرخ الطفل وبكى..
    تململ حمدان.. تراجع الصوت الخفي... وأضيء مصباح وراء جدران الموت.. وامتدت الأيدي تحفر باب القبر...
    صاح الناس فرحين..
    لقد هدأت ريح الأرض يا حمدان.
    هات طفلك ولا تتردد...
    شعر حمدان وهو يجر قدميه بخيبة أمل. داس الأرض مرة أخرى...
    وحين راح يبحث عن بقايا أغراضه المبعثرة وجدها موحلة..
    وقف صامتاً...
    صرخ الطفل وبكى مرة أخرى...
    وانطلق حمدان يعبر حدود الصفر من جديد... في حين لا زالت الشمس تختفي قليلاً قليلاً وراء السحب المطرة..
يعمل...
X