إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدكتورة التونسية رجاء بن سلامة في بحث "الموت وطقوسه".. من الانفعال بالموت إلى الوعي به

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتورة التونسية رجاء بن سلامة في بحث "الموت وطقوسه".. من الانفعال بالموت إلى الوعي به



    الرمزي والخيالي والعقلي والروحي
    "الموت وطقوسه".. من الانفعال بالموت إلى الوعي به

    المصطفى سلام*
    دراسة الكاتبة التونسية رجاء بن سلامة: الموت وطقوسه "1"، جهد معرفي أصيل، تكمن قيمته المعرفية في بروز بعض المنظورات العلمية لبعض الظواهر الدينية، يتعلق الأمر باستثمار الرؤية الأنتروبولوجية والسيكولوجية كمقاربات لها أهميتها ومردوديتها في تأويل وتفكيك العديد من الظواهر الإنسانية، في مقدمتها ظاهرة الموت كما يرد في الخطاب النبوي "2". واعتماد هذه المقاربات تحقق معرفة علمانية بالدين وظواهره، ورؤية نقدية لبعض آثاره وأعراضه. كما تساهم في غربلة هذا الخطاب من الشوائب التي لحقته عبر الممارسة الشعبية له. هذه القراءات لا تهدف إلى تفنيد الأطروحة الدينية في كليتها، ولا تنشد بيان هشاشة التصور الديني للحياة والقيم والغير.... ولكن الغاية هي كشف المعاني والدلالات الحافة بهذه الظاهرة أو تلك حيث الرمزي والخيالي والعقلي والروحي....
    موضوع دراسة الباحثة هوالموت وطقوسه، أي الموت كحدث أوواقعة معاشة ثم الطقوس المرافقة له أوالمتولدة عنه، وبينهما مساحة ثقافية. الثقافي هنا يتأسس من خلال التصورات والطقوس:
    الموت حدث بسيط في تحققه، لكن الإنسان يشيد تصورات أي ينتج أفكارا وخبرات حول الموت. وعندما تضاف التمثلات إلى الطقوس ننتج ما يعرف بثقافة الموت أوالوعي به. فما هي طبيعة الوعي بالموت على مستوى التصورات أولا وعلى مستوى الطقوس ثانيا؟
    أولا:
    تنتج المجموعات الثقافية أوالأنظمة الحضارية أنساقا من التصورات حول الكون والوجود، وذلك على مستوى الأخلاق والقيم والعلاقات البين إنسانية... ومن بين الظواهر التي حظيت بتمثلات غنية / الموت؛ حيث له في الميثولوجيا والأديان والعلوم الإنسانية ترميزات متنوعة. والمجتمع العربي الإسلامي لم يحقق بيضة الديك في هذا المجال؛ إذ باستنطاقنا لمكوناته الثقافية: الشعر والفلسفة والفقه والثقافة الشعبية والثرات عامة سنقف عند آثار هذه التصورات. لقد استندت الباحثة إلى مكون من مكونات هذا النظام الثقافي؛ يتعلق الأمر بالحديث النبوي، ليس كل ما روي عن الرسول" ص"، ولكن بالاقتصار على صحيحي البخاري ومسلم.
    قدم المتن المعتمد في الدراسة تصورا مركبا للموت:
    1 – من الناحية المعجمية، كشف الخطاب النبوي الوارد في الصحيحين غنى المادة اللغوية الحافة بالموت "ص 29". هذه المادة يتشارك فيها الحديث والشعر والقرآن.
    2 – من الناحية الدلالية: تؤكد المادة المعجمية التصور التالي : الموت مفارقة الروح للجسد أولا وهوشأن إلهي ثانيا.
    3 – من الناحية البلاغية: اعتمد خطاب المتن في عدد من المسرودات على تشبيهات واستعارات وكنايات أومجازات كان الموت محورها "ص 67".
    4 – من الناحية المنطقية: انتظمت التصورات الخاصة بالموت وفق المقولات التالية: الحياة / الموت، الإيمان / الكفر، الأرض / السماء، الجنة / النار، المقدس / الدنيوي، الطهارة / النجاسة....ومن بين الملاحظات التي وقفنا عندها:
    - تشير الكاتبة في بعض تأويلاتها أنه قد تكون لهذه التمثلات خلفيات ميثولوجية "ص 67" غير أنه يصعب تأكيد ذلك لغياب أبحاث أودراسات أنتروبولوجية للثقافة العربية الإسلامية أولا، ولسلطة المحافظة وعقلية التقليد التي ميزت الفكر الإسلامي والذي عمل على تنقية المجال الثقافي من كل الرواسب الثقافية والأسطورية والرمزية غير المنسجمة مع المنظومة الدينية.
    - السلم في هذه التمثلات لا يصطدم مع الأثر البشع للموت، وذلك لأن الحديث عمل على ربط الموت بالله وبالتالي قبول الموت أورفضه يكون على أساس الإيمان والاعتقاد في الله. كما أن خطاب الموت في الحديث عمل على تلطيف أوتحسين صورة الموت، وهذا شأن العقائد المطمئنة "ص 116 وص 119". ويضاف إلى ذلك الموقف الذي صاغته الجماعة بخصوص الموت، حيث هناك نوعان من الموت: أول إيجابي وثان سلبي. يتحقق الإيجابي والفرد في صلح مع الله وانسجام مع المنظومة الدينية " الموت على الإيمان والاستشهاد". أما الثاني فهوالذي يتحقق والفرد خارج الجماعة مخالفا معتقداتها أومعتنقا مبادئ غير إسلامية.
    - اقترنت التصورات المرتبطة بالموت بالآخرة، حيث وفرت المادة المدروسة مادة دلالية مهمة تبدأ من أول عتبة في المسار ما بعد الموت: القبر، وانتهاء بمقام في الجنة أوالنار. والإنسان لا يعلم ماذا يحدث بعد الدفن وعودة الأحياء من المقبرة إلا ما يقدمه له الخطاب الديني أوالأسطوري. إن متخيل الموت في بعده الأخروي تحكمه المفارقة : حيث القبر إما مكان للعذاب أوالنعيم، للجزاء أوالعقاب، روضة من روضات الجنة أوحفرة من حفر النار، فأول إجراء في القبر هوالفتنة كاختبار لمدى تمكن الميت / الحي من عقيدة الجماعة، في حين العذاب هوعقاب إلهي بسبب الخطايا في الدنيا. هذه التمثلات لما بعد الموت هي في حكم اليقينيات لا تقبل الارتداد أوالشك أوالتسفيه بل يقتضي الاعتقاد والإيمان، لكونها أصبحت في دائرة المقدس.
    ثانيا:
    يرتبط المقدس في الجوهر بالفكر الميثي، قد يكون هذا الارتباط تعليليا، بمعنى أن الطقس يعلل الأسطورة التي يرتبط بها، كما في العديد من الأساطير "3". قد يكون الطقس أسطورة في شكل حركة، أوالأسطورة في شكل طقوس. عامة الطقوس أعمال وحركات ووضعيات تمارسها المجموعة لغايات مبررة سابقا وتستلزم الاعتقاد والتقديس. لهذه الممارسات بنيات رمزية ودلالية ولاهوتية ووظيفية "4". والمنطق الذي يحكم الطقس ينتهي بانتهاء ما اقترن به: أعياد، زواج، ميلاد، سكن جديد، تعميد، موت.... لقد وقفت الدارسة عند مجموعة من الطقوس أوالممارسات المتكررة قبل الموت أوبعده مثل: عيادة المرضى "ص 163" غير أن زيارة المريض أومن في لحظة الاحتضار لا ترقى إلى مستوى الطقس، بل ترجع إلى المنظومة الأخلاقية التي أسسها الدين. في حين الأدعية والوصفات الاستشفائية تقترب من جوهر الطقوس، حيث ترمز إلى أبعاد الشر أوالحيلولة دون الجائحة التي حلت بالجماعة أوالتخفيف من اللعنة التي أصابت الأفراد....قد تكون لهذه الطقوس "الأدعية – الوصفات – الأدوية – الماء – الطلاسم -" أصول تعود إلى ما قبل الإسلام.
    وتقترن بالجثة طقوس، أي أفعال وأقوال مصاحبة لها إلى أن توارى التراب. هذه الطقوس يحكمها التكرار حيث الأحياء يكررون أقوالا وأفعالا وفق عدد معين غالبا ما يكون وترا، ثم السير بالجثة إلى مثواها الأخير. من بين الطقوس الغسل والتكفين ثم الصلاة والدعاء وأخيرا الدفن.وإدا كانت التصورات لها مستويان: ما قبل الدفن وما بعده، أي تصورات مقترنة بالعلام الدنيوي وثانية متعلقة بالآخرة فالطقوس بدورها تقترن بالعالمين معا. وهناك طقسان ينفصلان عن الميت ويتصلان بالأحياء، حيث يخلف الموت غيابا فضيعا عند أهله ورفاقه، مما يترتب عنه ردود أفعال متباينة منها ما يرقى إلى درجة الطقس ومنها ما ليس كذلك ؛ فالبكاء الطقوسي مثل النواح الذي كان سائدا في الجاهلية وغيبه الإسلام بالمن والتحريم، ليس انفعالا مباشرا أونتيجة للتأثر بالموت أوبشاعة الجثة، لكنه استعداد واع لفعل البكاء وكأن الأمر مهنة أوأداء مسرحي يصاحبه لطم الخدود وشق الجيوب ووضع التراب على الرأس أوحلقها "ص 213". إضافة إلى البكاء هناك الحداد حيث يمتنع أهل الميت عن الزينة والطيب والنظافة أوالانعزال عن الحياة في بعض مظاهرها: العمل والطهي والاحتفالات... غير أن الحداد كتجميد لعضوية الحياة له نهايته "ص220" فيعود الأحياء إلى تنشيط عضويتهم وتفعليها فيتزوجون وويعملون ويتطهرون ويتزينون ويحتفلون...
    خاتمة:
    بعد القراءة المتأنية لهذه الدراسة يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
    أولا – إذا كان منطق الحياة يقتضي سعي الفرد نحو إمكانياته وطموحاته، نحومشاريعه وأحلامه، مما يترتب عنه معان ودلالات لوجوده، فإن منطق الموت حصر لهذه الإمكانيات وإنهاء لتلك الأحلام وهدم لما شيده من آمال، والنتيجة هي قصور الذات الإنسانية وافتقارها الجوهري. ثانيا – الموت أعظم المعطيات صلابة في الوجود الإنساني كما يؤكد ذلك هايدغر "5" إذ الموت أوالتناهي مكون جوهري من مكونات الوجود الإنساني، حيث يصعب أويستحيل إلغاؤه. إنه آخر إمكان يعيشه الفرد في الوجود، أوالتجربة الأخيرة التي يختم بها الفرد مشاريعه في الحياة، آنئذ يفقد الإنسان آخر أثر له " 6".
    ثالثا - لا أحد ينوب عن أحد في الموت "7" مثلما لا أحد ينوب عن أحد في العشق، حيث كل إنسان يتحمل عبء وقسوة موته.
    رابعا - الموت يأتي عندما يشاء لا عندما يريد الفرد أويرغب، إنه حتمية أكبر من الذات، فقد يستعد لشكل معين من الموت لكنه يفاجأ بالموت في شكل مغاير أوصورة غريبة، وهذا ما جعل سارتر ينعت الموت بأنه عبثي"8".
    خامسا - من مفارقات الموت أن الذات تنتابها مشاعر وانفعالات متباينة اتجاه الموت، مثل الخوف والقلق ... مما يفيد أن الإنسان أمام تجربة الموت تنبعث لديه يقظة، وينتج عنده وعي أوإدراك بالموت، فيمارس التفكير، الشيء الذي يؤدي إلى بناء متخيل عن الموت داخل نظام ثقافي معين.
    سادسا – لمتخيل الموت في الثقافة العربية بنيات وتجليات داخل أنساقها المختلفة: الشعر، الفلسفة، الفقه، التصوف، القرآن، الثقافة الشعبية..... إذ بتوسيع البحث في هذه الأنساق وغيرها سنعمل على رسم معالم هذا المتخيل وضبط جغرافيته التي تؤكد على أن الإنسان هو الكائن الوحيد والفريد الذي له وعي بالموت.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
    المراجع:
    1 – رجاء بن سلامة: الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاري ومسلم.ط 2. 2009.
    2 - في هذا السياق نذك إنجازات المفكر محمد أركون ولمحمد عابد الجابري وعلي زيعور وآخرون
    3 – د. يونس لوليدي: الأسطورة بين الثقافة الغربية والثقافة العربية. ط 1. 1996. ص 34 .
    4 – نفسه: ص: 35.
    5 - جون ماكوري: الوجودية. عالم المعرفة.عدد 58. 1982. ترجمة إمام عبد الفتاح إمام. ص: 286.
    6 – لوبر ستيفن: تأملات فلسفية في ظاهرة الموت . تعريب : طارق عسيلي. المحجة. عدد 17. 2008. ص 68
    7 – جان بول سارتر: الوجود والعدم. تر: عبد الرحمان بدوي. منشورات دار الآداب. ط 1. 1968. ص 843. 8 - نفسه : ص 851-852.
    * أستاذ مبرز في اللغة العربية –أفورار – أزيلال – المغرب.
يعمل...
X